مقال

الدكروري يكتب عن المال هو قرين الروح

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المال هو قرين الروح

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إنه لما كان المال والأهل والأولاد كثيرا ما يحمل الإنسان على الإخلال بالأمانات، فقد نبّه الله تعالي عقيب الآية الكريمة إلى خطورة التوجه إلى هذه المحرمات بسبب التعلق بالأموال والأولاد، فقال سبحانه وتعالى فى سورة الأنفال “واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم” فإن المال الذي هو قرين الروح، وحبيب إلى النفس، وهو عصب الحياة، ربما حمل كثيرا من الناس على أن يخلوا بأمانتهم، وأن يقترفوا من المحرمات ما الله به عليم، وهكذا الأولاد الذين يسعى الإنسان ويكد لأجلهم، وربما اقترف أنواعا من المحرمات والخيانات في الأموال، لأجل أن يحصل لهم ما يضمن به ويطمئن لعيشهم الكريم، وما علم أن دخول المال عليهم من باب حرام، هو الخيانة لهم، وهو عين الإغرار بهم، وكان بعض نساء السلف إذا أراد زوجها أن يخرج إلى مكاسبه ومعايشه، تقول له اتقى الله فينا، فإنا نصبر على الجوع والفقر.

 

ولا نصبِر على اقتراف الحرام، وما بعده من النار والبوار، ولو أن الناس أخذوا بهذا المسلك قناعة بما رزقهم الله، واكتفاء واحتسابا بما يفتح الله عليهم من الخير والبركة، مع ما أحل جل وعلا، لرأوا من البركات والخيرات ما الله به عليم، فإن المال ربما حمل الإنسان على كثير من المحرمات التي تتنوع بحسب مناصب الناس ومواضعهم، وغير ذلك من أماكنهم، ربما حملهم على أنواع من الغدر وأنواع من الخيانة، والشريعة الغرّاء سبقت كل أنظمة مكافحة الفساد، بأن تجعل كل إنسان رقيبا على نفسه، فهو يراقب الله، ولا يراقب الخلق، يراقب الله جل وعلا، ويستشعر إحاطة الملكين الذين يكتبان حسناته وسيئاته، وإن غاب الرقيب والمراقب، ولذا لما كانت هذه الحال حاضرة في أنفس الرعيل الأول من القرن الذي هو خير القرون، وهو قرن نبينا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام وقرن أصحابه لما قالت تلك الأم في ظلام الليل لابنتها اخلطي اللبن بالماء.

 

حتى يكثر الحليب، ويزداد البيع، فقالت هذه البنت لأمها التي دفعها حب المال والازدياد منه، بأن ترتكب لهذا الإثم، قالت هذه البنت على مسمع من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يعس بالليل، ويتفقد أحوال رعيته بالظلام، فسمع البنت ترد على أمها يا أماه، ألم تعلمي أن أمير المؤمنين نهى عن ذلك؟ أمير المؤمنين نهى في مراسيمه عن أن تكون مثل هذه المعاملات التي يتساهل بها في البيع والشراء، قالت لها أمها وأين أمير المؤمنين عنك؟ قالت لها وقد استقر الإيمان في قلبها إن كان عمر لا يرانا، فإن رب عمر يرانا، مثل هذه الحال التي تكون فيها المراقبة لله جل وعلا هي التي تضمن للناس حفظ حقوقهم في بيوعهم وشرائهم، هذه الحال التي تقوم على رجاء ما عند الله، وخوف عقوبته من مثل ما جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال “لكل غادر لواء يوم القيامة”

 

وهذا اللواء الذي ينشر على رؤوس الخلائق لكل غادر خان الأمانة، ولم يحفظ الحق والعهد، يجعل له لواء عند أسفله أى عند عورته، يقال هذه غدرة فلان بن فلان، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم تبرّأ من هذه الخيانات بكل أنواعها، فكانت في الأموال والنقدين من الذهب والفضة، أو من الممتلكات، من العقار، أو من الحيوان، وغير ذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “لا ألفين أحدكم يوم القيامة” وهو صلى الله عليه وسلم يحذر لا ألقى أحدا منكم يوم القيامة وقد حمل على رأسه ما غله وخان به وغدر من حطام هذه الدنيا، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الأمثلة على ذلك شاة كانت أو بقرة، أو كانت عقارا يخفق، ويقول لي يا رسول الله، أدركني، فأقول “لا أملك لك شيئا قد أبلغتك وبيّنت لك” ومن مثل ما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال “من ظلم قيد شبر من الأرض، طوقه من سبع أراضين يوم القيامة”

 

وقال العلماء أن المعنى في هذا الحديث أن من ظلم شيئا من الأرض بأن أختلس وأضافه إلى ملكه وهو لا يملكه، فإنه يطوّق به من سبع أراضين يوم القيامة، قيل إنه يُجعل كالطوق على عنقه، وجاء في بعض الروايات أن من ظلم ولو قيد شبر من الأرض، فإنه في يوم القيامة يكلف بنقل تراب تلك الأرض، حتى يقضى بين العباد، فالعباد يفصل بينهم، وهو في هذا العذاب والنكال والخزي على رؤوس العباد، فمن ظلم قيد شبر ولو شبرا، فكيف بمن يظلم الأمتار والكيلومترات، ولا يستشعر هذه العاقبة السيئة، فأنتم تعلمون سوء هذه العاقبة بعد أن بيّنها الله في كتابه وحذر منها، وبيّنها نبيه عليه الصلاة والسلام، ولا ينبغي أن يكون الأهل والأولاد عُذرا في اقتراف هذه الخيانات، فإنه يكون اكتسابها من طريق حرام، وربما تمتع بها الأهل والأولاد، وكان عليه الخزي والحساب عياذا بالله من ذلك، والمرء إذا احتسب ما عند الله، فإن الله عنده أجر عظيم.

 

فإن هذه الأموال التي أردتم خيانتها إن دفعكم الشيطان، لا تغني عنكم شيئا لأن مالكها هو الله، فإن الله عنده أجر عظيم لمن احتسب عنده الأجر، يجعل له حسن العقبى في الآخرة والأولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى