مقال

الدكروري يكتب عن عليكم بالأمانة  

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن عليكم بالأمانة

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إعلموا رحمكم الله أن خير الكلام كلام الله عز وجل، وخير الهدي هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في دين الله بدعة، وكل بدعة ضلالة، واعلموا رحمكم الله أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فالسعيد من وُعظ بغيره، واستعد للقاء ربه، واعلموا رحمني الله وإياكم أن خير ما يعين الإنسان على أن يسلك مسالك الإحسان، ويجتنب طاعة الشيطان، أن يستشعر فيما يقدم عليه، هل ينفعه في آخرته أو يضره؟ فإذا جعل لنفسه هذا المعيار، هل هذا العمل الذي أقدم عليه من أمور الدنيا ينفعني في حفرتي في قبري، ينيرها، يضيئها، يُوسّع عليّ فيها؟ فليقدم وليبشر بالخير من الله، وأما إن كانت الأخرى فإن كان ما يقدم عليه إنما هو إثم وشنار وعار، فينبغي أن يكفّ عنه، وهذا مقتضى الإيمان ومقتضى العقل لأنه لا خير في لذة حاضرة تورث عذابا دائما، ولا خير في مُكتسب هو مؤقت ينال به الإنسان فرحة لحظية.

 

ثم يكون في عاقبتها العذاب والنكال في الدنيا والآخرة، فمن جعل لنفسه هذا المعيار بأن يقيم على نفسه حسيبا منها، هل ينفعه هذا العمل عند ربه أو يضره، كان عاقبة أمره إلى خير، وذلك أنه ولله الحمد الحلال بيّن والحرام بيّن، لكن المشكلة فينا أننا مع علمنا بالحلال كثيرا ما نتجنبه، وأنه مع علمنا بالحرام كثيرا ما نقترفه، والسبب في ذلك هو التسويف والتأجيل، واستبعاد ما عند الله، ونسيان أو تناسي مراقبته جل وعلا، وتكرار مثل هذا الأمر يورث حجابا على القلب، يجعله لا يستشعر بعد ذلك حلالا ولا حراما، ذلك أن الأمر كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام “إن العبد إذا عمل الخطيئة، نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو تاب ورجع، صقل قلبه، وإن هو زاد، يعني في الإثم، زيد في تلك النكتة السوداء، هذا الغطاء على القلب، حتى يغشى قلبه الران” ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى فى سورة المطففين “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”

 

وإذا وصل المرء إلى هذه الحال عياذا بالله منها، فإنه بعد ذلك لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وضرب لهذا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مثالا، قال “حتى يعود كالكوز مجخيا” بمعنى كالكأس المقلوب لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه، فهذا الكأس المقلوب مهما أردت أن تجعل فيه من سائل، من ماء كان، أو لبن، أو عصير، ما استطعت، واكتفى بما في داخله من هذا الهواء الذي لا يمكن أن يزاد عليه، فهكذا القلب إذا استسهل الخطايا والمنكرات، تكون هي ديدنه وتكون هي مساره، نعوذ بالله من مثل هذه الحال، ونسأله سبحانه أن يصلح أحوالنا وأن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وإن للسلف الصالح يرحمهم الله صورا مشرقة ورائعة في التطبيق الفعلي لخلق الأمانة، ومن ذلك إن الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه اشترى فرسا بأربعمئة دراهم، فقال لصاحب الفرس بكم بعته؟ قال بأربعمئة درهم.

 

قال أتريد أن تكون خمسا، قال نعم، قال وستا، قال نعم، قال وسبعا، قال نعم، قال وثمانيا، قال نعم، قال خذ ثمانمائة فإني بايعت رسول الله عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم” وعن أبي السباع رضي الله عنه قال، اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها، أدركنا واثلة، وهو يجر رداءه، فقال يا عبد الله، اشتريت؟ قلت نعم، قال هل بين لك ما فيها؟ قلت وما فيها؟ قال إنها لسمينة ظاهرة الصحة، قال، فقال أردت بها سفرا، أم أردت بها لحما؟ قلت بل أردت عليها الحج، قال فإن بخفها نقبا، قال، فقال صاحبها أصلحك الله، ما تريد إلى هذا تفسد علي؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا يحل لأحد يبيع شيئا ألا يبين ما فيه ولا يحل لمن يعلم ذلك ألا يبينه” وقيل كان لأبي حنيفة رحمه الله شريك في التجارة، يقال له بشر، فخرج بشر في تجارته بمصر، فبعث إليه أبو حنيفة سبعين ثوبا من ثياب خز.

 

فكتب إليه إن في الثياب ثوب خز معيبا بعلامة كذا، فإذا بعته فبيّن للمشتري العيب، قال فباع بشر الثياب كلها، ورجع إلى الكوفة، فقال أبو حنيفة هل بيّنت ذلك العيب الذي في الثوب الخز؟ فقال بشر نسيت ذلك العيب، فقال فتصدق أبو حنيفة بجميع ما أصابه من تلك التجارة الأصل، والفرع جميعا، قال وكان نصيبه من ذلك ألف درهم، وقال مال قد دخلت فيه الشبهة، فلا حاجة لي به” وقيل أن رجل تزوج بامرأة سرا عن زوجته الأولى، ثم بعد فترة توفي هذا الرجل، وعلمت المرأة عن زواج زوجها، فقامت بأخذ نصيبها في الميراث، وذهبت إليها لتعطيها إياه، ولكن المفاجأة أن هذه الزوجة الثانية لم تأخذ ما يخصها من الميراث على الرغم من وفاة الزوج، وذلك لأن زوجها طلقها قبل وفاته، فانظر روعة هاتين المرأتين، وأمانتهما في إيصال الحقوق لأصحابها، على الرغم بإمكان الأولى المماطلة، والتسويف في عدم إعطاء ضرتها من الميراث بأية حجة من الحجج، وبإمكان الزوجة الثانية تخفى طلاقها، وتأخذ نصيبها من ميراث زوجها المتوفى، ولكن هي الأمانة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى