مقال

الدكروري يكتب عن من غشنا فليس منا

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن من غشنا فليس منا
بقلم / محمــــد الدكــــروري

إن للتاجر الأمين صفات ينبغي التحلي بها، منها إيثاره المصلحة الوطنية العامة على المصلحة الشخصية، والإسهام في بناء الوطن، من خلال التحرك في ضوء أولوياته، سواء كانت زراعية، أم صناعية، وتقديم ما يحتاجه الوطن منها، والعمل على الوفاء بالواجب الكفائي، أو الإسهام في الوفاء به في مجال عمله، وهو بتلك الروح الوطنية يرجو أجر النفع العام عند الله عز وجل، حيث يقول الحق سبحانه “وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” ويقول سبحانه وتعالي أيضا “وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض” ولا يشك مسلم في أن أربح التجارة هي ما كانت مع الله، فهي تجارة سلعتها الطاعات وثمنها الحسنات، يضاعفن من حسنة إلى عشر إلى سبعمائة وأكثر، والذين يجيدون هذه التجارة الرابحة هم من عرفوا الله فخشوه.

ولم تنقطع صلتهم به قط، وكان همهم الأول والأخير رضاه، فسبحان الله الذي وهبنا ما نتاجر به معه، ثم وفقنا إلى التجارة معه، وتفضل علينا بها، ثم هو يعطينا أجر تلك التجارة كأحسن ما يكون الأجر والجزاء، فهو خير أجر في خير تجارة، ثم هو يزيدنا من فضله فوق أجورنا، ويضاعف لمن يشاء، وأخبر الله سبحانه عن أن هذه التجارة مع الله جل وعلا حينما يريد بها المؤمن رضا الله، أنها تجارة رابحة، وأن عاقبتها إلى خير، وإن التجارة مصدر مهم من مصادر الرزق، يعالجها جل الناس الذين هم بين بائع أو مشتري، فوجب أن تضبط بأخلاق الشرع، وتحاط بعناية التراضي والصدق والورع، فيقول الله تعالى” يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم”

ويقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “رحم الله رجلا سمحا إذا باع “أى بمعنى سهلا لينا” وإذا اشترى، وإذا اقتضى ” أى بمعنى طلب الذي له على غيره” رواه البخارى، فإن معظم تجارتنا اليوم قد غزاها الغش من كل مكان، وأحاط بها المكر من كل جهة، واكتسحها الخداع والتزوير والتحايل إلا من رحم الله، حتى صار المشترى يفترض السوء فى البائع، وأنه يجب أن يكون على قدر كبير من الفطنة واليقظة، حتى لا يقع في شباك الغش التجارى، الذى جعله ابن حجر في كتابه “الزواجر عن اقتراف الكبائر” كبيرة من الكبائر، لأنه يدل على ضعف في الشيء واستعجال فيه” كما قال ابن فارس، ولأنه “نقيض النصح، وهو مأخوذ من الغشش، وهو المشرب الكدر” وكما قال ابن منظور.

وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسّنه صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا طعام رديء، فقال “بع هذا على حدة، وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا” رواه أحمد، وها نحن نرى اليوم بعض بائعي الخضر، أو الفواكه، أو الحبوب، يزينون ظاهر أكياس السلعة، ويجعلون الرديء في الأسفل، ويقول أنس بن مالك رضي الله عنه خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق، فرأى طعاما مصبرا أى عبارة عن كومة، فأدخل يده، فأخرج طعاما رطبا قد أصابته السماء، فقال لصاحبها “ما حملك على هذا؟” قال “والذي بعثك بالحق، إنه لطعام واحد” قال “أفلا عزلت الرطب على حدته، واليابس على حدته، فيبتاعون ما يعرفون، من غشنا فليس منا” رواه الطبرانى.

فكم من الناس يخلطون الجيد بالرديء، ويقنعون المشترى بأن الكل جيد، فيحصلون أموالا اختلط فيها الحلال بالحرام، ولا يبالون، وقد يعرف حالهم بعض الناس، فلا ينصحون لهم، ولا يحذرون منهم، فعن أبي سباع رضي الله عنه قال اشتريت ناقة من دار واثلة بن الأسقع، فلما خرجت بها أدركنى يجر إزاره فقال اشتريت؟ قلت “نعم” قال أبين لك ما فيها؟ قلت وما فيها؟ قال إنها لسمينة ظاهرة الصحة، أردت بها سفرا أو أردت بها لحما؟ قلت أردت بها الحج، قال فارتجعها، فقال صاحبها ما أردت إلى هذا أصلحك الله، تفسد عليّ؟ قال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “لا يحل لأحد يبيع شيئا إلا بين ما فيه، ولا يحل لمن علم ذلك إلا بينه” رواه الحاكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى