مقال

الدكروري يكتب عن أيام الله تتسارع والأزمنة تتلاحق

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن أيام الله تتسارع والأزمنة تتلاحق

بقلم / محمـــد الدكــروري

 

لابد لكل من أراد الصلاح والإصلاح من جلسة عتاب للنفس, تحصيلا للأنس وهروبا من الرجس, وحملا لها على الإقلاع والنزوع, فبعد العتاب يكون الرجوع، فما أحوجنا إلى الرجوع إلى ذواتنا ومحاسبة أنفسنا لأن حالتنا تستدعى ذلك, فكلما خرجنا من ذنب دخلنا في ذنب, وكلما تخلصنا من عتب, تحصلنا في عتب, وكلما نزلنا من مركب في الجفاء امتطينا مركبا, وكلما فارقنا مذهبا في التمرد استأنفنا مذهبا, فما ندري كيف نعالج هذا الارتجاج ونقوم هذا الاعوجاج؟ ولا ندرى بماذا نداوى هذا الداء الدوى, ونقاوم هذا الخصم القوى؟ ولقد كان من دأب العرب في الجاهلية أنهم إذا أصيبوا بمكروه أو مرت بهم مصيبة.

 

عزوها إلى شؤم غيرهم ونسبوها إلى سبب من الأسباب الخارجة عن أنفسهم، فكانوا دائما يرون أن المصائب التي تمر عليهم إنما هى من شؤم كذا وكذا, ولا يرجعون شيئا منها إلى أنفسهم، حتى إذا أكرمهم الله بالإسلام وببعثة سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم, فقوّم هذا التصور الأخرق الذى كانوا ينطلقون منه, فأنزل الله عز وجل فيما أنزل تصحيحا لعاداتهم وتقويما لتصوراتهم فقال تعالى فى سورة الشورى” وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ” وقال تعالى فى سورة النساء ” ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ” أى أن كل إنسان يتحمل جريرة نفسه فإن ألمت به مصيبة.

 

فليرجع إلى ذاته وليتساءل عن سببها داخل كيانه, وإذا انتابه مكروه فليشم رائحة كفه, وليعد إلى حاله, ويتبين سبب ذلك في أمر من أمور خاصته، وإن الإخلاص والتوحيد شجرة في القلب فروعها الأعمال وثمرها طيب الحياة في الدنيا، والنعيم المقيم في الآخرة، وكما أن ثمار الجنة لا مقطوعة ولا ممنوعة، فثمرة التوحيد والإخلاص في الدنيا كذلك، والإنسان مطلق والإنسان حريص على الحياة الدنيا، وحريص أن يطول عمره ولو استطاع أن يخلد في الدنيا لفعل ولكن الله سبحانه وتعالى قهر العباد بالموت والفناء، وإن الوقت هو الحياة، وأوقاتنا هي رأس مالنا في هذه الدنيا، ومن فرط في وقته وعمُره فقد فرط في خير كبير.

 

فأيام الله تعالى تتسارع، والأزمنة تتلاحق وكل شيء من حولك يذكرك بقيمة الوقت والزمن الذي تعيشه، فطلوع الشمس وغروبها، والقمر الذي قدره الله منازل، وكل يوم تراه أصغر أو أكبر من اليوم الذي قبله، وحركة الكون والكواكب، والسماوات والأرض، فكل هذه الأشياء تذكرك بقيمة الزمن الذي هو رأس مالك، فحرص الإنسان على طول حياته في هذه الحياة الدنيا بدون أن يتنبه إلى ما يكتسبه في هذه الحياة ، قد يكون عليه طامة كبرى لأن الإنسان إذا طال عمره وساء عمله، فإن طول العمر بالنسبة لهذا الإنسان نقمة، وليس بنعمة فعمرك إنما هو وعاء لأعمالك فلا تكن حريصا على الوعاء، بدون حرص على ما يحتويه هذا الوعاء.

 

لأن قيمة الوعاء بما يحتويه، وقيمة عمرك بما تجنيه، إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، ودعاء المؤمن بطول العمر في الدنيا ، ليس المقصود منه طول المكث فيها فقط، فقد يكون وقتك وعمرك قصيرا، ولكن الخير فيه كثير وكثير جدا، فهذا هو الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، في فترة وجيزة من عمره لا تتجاوز السنتين ونصف هي فترة ولايته، ملأ فيها الأرض عدلا، بعدما ملئت جورا وظلما، فطول العمر ليس خيرا للإنسان إلا إذا أحسن عمله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى