مقال

الدكروري يكتب عن إنهيار وبناء الحضارات

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن إنهيار وبناء الحضارات

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن حب للوطن لا يقتصر على المشاعر والأحاسيس الطيبة فقط بل يتجلى في الأقوال والأفعال، وأجمل ما التجلى به حب الوطن هو الدعاء، وإن الدعاء هو تعبير صادق عن مكنون الفؤاد، ولا يخالطه كذب، أو مبالغة، أو نفاق لأنه علاقة مباشرة مع الله عز وجل، فقد دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمدينة، فقال صلي الله عليه وسلم “اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة” رواه البخاري ومسلم، وقد حكى الله سبحانه وتعالى عن نبيه إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه دعا لمكة المكرمة، وهكذا فإن حب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات، بل هو مرتبط بسلوك الفرد، حيث أنه يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله.

 

في المنزل والشارع، في مقر عمله وفي سهوله ووديانه، وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية فى سورة المائدة “يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم” وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه” رواه أبو داود، والترمذي والنسائي، وإن الإصلاح أمر من الله، فضياع أمره يجلب الانتقام الإلهي، ولا بارك لأمة أن ينتقم الله منهم، فقال الإمام أحمد حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا صفوان بن عمرو حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه “لما فتحت قبرص فرّق بين أهلها فبكي بعضهم إلى بعض.

 

فرأيت أبا الدر داء جالسا وحده يبكي فقلت يا أبا الدر داء، ما يبكيك في يوم أعزّ الله فيه الإسلام وأهله؟ فقال ويحك يا جبير ما أهون الخلق على الله عز وجل إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة لهم الملك، تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى” وكذلك فإن ترك الإصلاح يؤدي إلى تعميم العذاب في الدنيا، والهلاك المعنوي، كالفقر والذلة والهوان، التي تعتبر من موجبات عدم استجابة الدعاء، فعن حذيفة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا ثم تدعونه فلا يستجيب لكم” رواه الترمذي، وقال النبي صلى الله عليه وسلم.

 

“لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه عن الحق أطرا أو ليضربن الله في قلوب بعضكم ببعض ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ” وضرب القلوب على القلوب المشار إليه في الحديث الشريف إشارة إلى مزجها وخلطها ببعض، بمعنى أن تمتزج القلوب الفاسدة مع القلوب السليمة وهذا من شأنه أن ينقل الفساد والاعتلال إلى القلوب السليمة الصحيحة لا العكس، فإن مخالطة الصحيح للمريض لا يمكن أن تنقل الصحة إلى المريض بل أن المريض هو الذي ينقل المرض إلى الصحيح بالعدوى، يقول الشاعر ولا تجلس إلى أهل الدنايا، فان خلائق السفهاء تعدى ومن هنا كان واجبا على المجتمع المؤمن.

 

لكي يحتفظ بوجوده سليما معافى من آفات العلل النفسية والأسقام الخلقية التي من شأنها لو تمكنت منه أن تدمره، وتأتي عليه كما يأتي الوباء على من ينزل به، نقول إن الواجب على المجتمع المسلم أن يتفقد مواطن المنكر التي وصله من بعض أفراده، فيعمل على إجلائها من مواطنه بكل وسيلة ممكنة له، ومن ذلك إشاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا من شأنه أن يحقق وقاية وعلاجا معا” وإياكم من عاقبة اللعن والطرد من رحمة الله تعالى، فإن اللعن هو الطرد من رحمة الله وتحت كنفه، كما أن رحمة الله تعم ميادين الحياة فإذا رفعها الله فسيحقق آثارها في كل الميادين، أي يأخذ اللعن كل نواحي المجتمع، بدءا من صلاحية الأفراد وتنتهي بانهيار الحضارات، فلا تبقى لوجودها مقومات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى