مقال

الدكروري يكتب عن قاطع الراحات وجالب الكريهات

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن قاطع الراحات وجالب الكريهات

بقلم / محمـــد الدكــروري

 

لا ريب أن الأمم تمر بمحن وشدائد، تهذبها تارة، وتربيها تارة، وترفع عنها غبار الطريق تارة أخرى، كما أن المحن قد تكون صورة من العقاب والتوبيخ، وإن من المحن والرزايا التي أصابت أمتنا اليوم في مقتل الغفلة بما تعنيه هذه الكلمة من معانٍ وحقائق، مِن التيه والنسيان، في شتى مجالات الحياة البشرية، وإن النهاية الحقيقية لكل كائن حي هى الموت، وإن الموت هو الخطب الأفظع، والأمر الأشنع، والكأس الذي طعمها أكره وأبشع، لأنه هادم اللذات، وقاطع الراحات، وجالب الكريهات، فإنه أمر يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك، لهو الأمر الأفظع، والخطب الجسيم، وإن يومه لهو اليوم العظيم.

 

فهل تفكرت يا ابن آدم في يوم مصرعك؟ وانتقالك عن موضعك؟ إذا نقلت من سعة إلى ضيق، وخانك الصحب والرفيق، وهجرك الأخ والصديق، وأخذت من فراشك وغطائك إلى غرر، وغطوك من بعد لين لحافها بتراب ومدر، فيا جامع والمال، والمجتهد في البنيان، ليس لك من مالك والله إلا الأكفان، بل للخراب والذهاب، وجسمك للتراب والمآب، فأين المال الذي جمعته؟ هل أنقذك من هذه الأهوال؟ وإذا فكر الإنسان في الميت، فعليه أن يفكر كيف قد سالت العيون، وتفرقت الخدود، فإنهم مساكين أهل القبور، عن يمينهم التراب، وعن يسارهم التراب، ومن أمامهم التراب، ومن خلفهم التراب، فكانوا أهل الدور والقصور، فصاروا أهل التراب والقبور.

 

وكانوا أهل النعمة فصاروا أهل الوحشة والمحنة، وقد سالت العيون، وصدأة الجفون، وتقطعت الأوصال، وبطلت الآمال، وصار الضحك بكاء، والصحة داء، والبقاء فناء، وإن الله عز وجل، خلق الثقلين لحكمة بالغة خلقهم ليبلوهم أيهم أحسن عملا، خلقهم ليعبدوه وحده لا شريك له، وليخلصوا له العبادة، وخلق الليل والنهار وجعلهما خزائن للأعمال يحصي على العبد ما له وما عليه، ويقول عز وجل “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد” ويقول سبحانه وتعالي “وكل شيء أحصيناه في إمام مبين” فاعلموا أيها الناس أن هذه الدنيا مزرعة للآخرة، يفوز فيها المتقون ويخسر فيها الغافلون، ومن حكمته سبحانه أنه لم يجعل هذه الدار للبقاء والاستمرار.

 

وإنما جعلها دار ممر واعتبار، فالرابح من صلح زرعه، والخاسر من فسد ثمره، وكل الناس يعلم أنما هذه الحياة الدنيا ليست لحي سكنا، فهي سريعة الزوال، وشيكة الارتحال، ولقد قال الله لنبيه الكريم “وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإئن مت فهم الخالدون” فالبقاء لله الواحد القهار، وقال الله تعالى “يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب” وقد أمرنا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكر الموت، كما في الحديث الصحيح الذى رواه الترمذي فعن أبى هريره رضى الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أكثروا من ذكر هادم اللذات ”

 

ويعنى بذلك الموت، والناس في ذكر الموت على ضروب وأصناف، فمنهم المنهمك في لذاته المثابر على شهواته، لا يخطر الموت له على بال، ولا يحدث نفسه بزوال، ولا يذكر الدار الآخرة، لأنه مفتون بالدنيا وشهواتها، واتخذ إلهه هواه فأصمه ذلك وأعماه وأهلكه وأرداه، وصنف آخر وقليل ما هم، من أزيل من عينه قذاها، وكشف عن بصيرته عماها، وعرضت عليه الحقيقه فرآها، فلبى المنادى وأجاب الداعى وشمر لتلافي ما فات، وتأهب لهجوم الممات، والانتقال إلى محلة الاموات، ومع هذا، فإنه يكره الموت، ولكنه لا يكره الموت لذاته ولا لأنه هادم لذاته، ولكن يخاف أَن يقطعه عن الاستعداد ليوم المعاد، والاكتساب ليوم الحساب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى