مقال

الدكروري يكتب عن ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن ما يعطى لإبطال حق أو لإحقاق باطل
بقلم / محمــــد الدكـــروري

تتجلى مظاهر قدرة الله تعالى في كل المخلوقات ومنها ما أشير إليه في القرآن الكريم، كالنمل والنحل والعنكبوت والبعوض، وقد سميت سور بأسماء بعض الكائنات كسورة النمل وسورة النحل، لما فيها من دلائل عظيمة على تدبير الله للكون بأدق تفاصيله وأصغر كائناته، فالنحل الذي يتخذ من الجبال بيوتا ويبني خليته وفق هندسة دقيقة يعجز عن مجاراتها مهندسون بارعون، وإن من أفضل تعريف للرشوة، هو تعريف الجرجاني الذي قال “الرشوة ما يعطى لإبطال حق، أو لإحقاق باطل” فالذى يدفع مالا لينجح في امتحان، أو مباراة وظيفة، أو تفويت صفقة لصالحه، يكون قد اعتدى على حق غيره المستحق لهذا المنصب بعلمه وكفاءته.

فتشغل المناصب بأشخاص لا يملكون كفاءة، ولا يملكون ضميرا ولا إخلاصا، بل ربما مارسوا على المواطنين من ضروب التهاون والتماطل، ما يجرئهم على الابتزاز، فتشغل المناصب بأشخاص لا يملكون كفاءة، ولا يملكون ضميرا ولا إخلاصا، بل ربما مارسوا على المواطنين من ضروب التهاون والتماطل، ما يجرئهم على الابتزاز، وتحصيل المال من غير طريقه المشروعة، ومن عجب أن بعض موظفينا يسوغون أخذهم للرشوة، بسبب ضعف رواتبهم الشهرية، التي لا تكفيهم لسد حاجاتهم، وهذا من أعظم المغالطات التي يحاول بها هؤلاء إقناع أنفسهم، مع أن هناك ما يسمى برشوة الكبار، التي يتعامل بها أصحاب الرواتب المرتفعة.

والمناصب العالية، إنه الجشع، وعدم الرضى بالقليل، ومنهم من يسوغ أخذ الرشوة بسبب انتشارها وذيوعها، حيث أصبحت جزءا من كيان المجتمع، وهذا لا دليل فيه، لأن أهل الخير في كل زمان قليل، وأهل الشر كثير، والعبرة ليست بكثرة الهالكين، فيقول تعالى “قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب” ويقول ابن القيم رحمه الله “فلا يُكترث بمخالفة الناكبين عنه له، فإنهم هم الأقلون قدرا، وإن كانوا الأكثرين عددا” ومن جميل قول الفضيل بن عياض رحمه الله “الزم طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين” فإن الرشوة من عمل اليهود، لقوله تعالى.

” فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبِصدهم عن سبيل الله كثيرا وأخذهم الربا وقد نهوا عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل” ومن هذا الباطل ما سماه الله تعالى بالسحت، فقال تعالى ” سماعون للكذب أكالون للسحت” وقال عبد الله بن مسعود وغيره “السحت هو الرّشى” وقال ابن سيرين “السحت الرشوة في الحكم” وإن تسمية الرشوة هدية، أو مكرمة، أو حلاوة، لا يغير من واقعها شيئا، فقد أورد البخاري ومسلم في باب تحريم هدايا العمال، أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بني أسد يقال له ابن اللتبية على الصدقة وهى الزكاة، فلما قدم قال “هذا لكم، وهذا أهدي لي” فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر.

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال “ما بال العامل نبعثه فيأتي فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى له أم لا؟ والذى نفسي بيده، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر” ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتى إبطيه، فقال “ألا هل بلغت” ثلاثا” رواه البخارى ومسلم، ولقد حاول اليهود رشو عبد الله بن رواحة، حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر ليخرص أى يقدر نخلهم، فجمعوا له حُليا من حُلي نسائهم فقالوا له “هذا لك وخفف عنا، وتجاوز في القسم” فقال عبد الله بن رواحة “يا معشر اليهود، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي، وما ذاك بحاملي على أن أحيف أى أجور عليكم، فأما ما عرضتم من الرشوة، فإنها سحت، وإنا لا نأكلها” فقالوا “بهذا قامت السماوات والأرض” رواه مالك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى