مقال

الدكروري يكتب عن توبة شاهد الزور

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن توبة شاهد الزور

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

إن من علامات محبة العبد لله عز وجل هو بغض ما يبغضه الله تعالي من الأشخاص والأعمال والأقوال، والمؤمن يبغض ما يبغضه الله وكما يبغض من يبغضه الله، مستجيبا لأمر الله، وقد جعل الله من المنن على عباده أن حببهم في الإيمان، وكرههم في العصيان، وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله عشرة أسباب جالبة لمحبة الله تعالي، وهي قراءة القرآن وتدبره، والتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ودوام ذكر الله على كل حال بالقلب واللسان والعمل، وإيثار محاب الله على محاب النفس، والتأمل في أسماء الله وصفاته ومعرفته بها فإن ذلك يورث عظيم محبته، والتأمل في نعم الله تعالى على العبد فإن ذلك يدعو إلى محبة المنعم، وانكسار القلب بين يدي الله تعالى، والخلوة بالله تعالي.

 

وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه حين يبقى ثلث الليل الأخير وختم ذلك بالاستغفار، ومجالسة الصالحين المحبين الصادقين والاقتداء بهم، والابتعاد عن كل الأسباب التي تحول بين القلب وبين الله عز وجل، وأما عن توبة شاهد الزور، فقد ذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة وأبو ثور، إلى أنه إذا تاب شاهد الزور، وأتت على ذلك مدة، فظهر فيها توبته، وتبين صدقه فيها وعدالته، قبلت شهادته، لقول الله سبحانه وتعالى كما جاء فى سورة آل عمران وسورة النور ” إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا” ولأن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم قال ” التائب من الذَّنب كمن لا ذنب له” وذلك لأنه تائب من ذنبه، فقبلت توبته كسائر التائبين، وأن مدة ظهور التوبة عندهم سنة.

 

لأنه لا تظهر صحة التوبة في مدة قريبة، فكان أَولى المدد بالتقدير سنة، لأنه تمر فيها الفصول الأربعة التي تهيج فيها الطبائع، وتتغير فيها الأحوال، وقال البابرتي من الحنفية، مدة ظهور التوبة عند بعض الحنفية ستة أشهر، ثم قال والصحيح أنه مفوض إلى رأي القاضى، وقال المالكية إن كان ظاهر الصلاح حين شهد بالزور، لا تقبل له شهادة بعد ذلك لاحتمال بقائه على الحالة التي كان عليها، وإن كان غير مظهر للصلاح حين الشهادة، ففي قبولها بعد ذلك إذا ظهرت توبته قولان، فاتقوا الله تعالى، واحذروا من الوقوع فيما حرم الله، وابتعدوا عما نهاكم عنه نبيكم الكريم محمد صلوات الله وسلامه عليه.

 

فقد تجرأ الكثير من الناس على قول الزور وشهادة الزور، وتجرأ الكثير بهذه الشهادة، إما لينفع شخصا في نظر الشاهد لقرابته أو لصداقته أو لعصبية، أو ليضر شخصا، إما لعداوته، أو من أجل أن يتقرب بها للمسؤول لنفع دنيوى، فما أكثر الشاهدين بهذه الشهادة للأعراض المذكورة، وغيرها من أمور الدنيا التي أنست الكثير من الناس أمور الآخرة، وجرأتهم على الوقوع في المحرمات، ومطاوعة الهوى والنفس والشيطان، وما يدري هذا الشاهد المتجرئ على محارم الله تعالى أنه قد ارتكب بهذه الشهادة عدة محاذير منها الكذب والافتراء، والله سبحانه وتعالى قال فى كتابه الكريم فى سورة غافر” إن الله لا يهدى من هو مسرف كذاب” ومنها أنه ضرّ الذي شهد له وهو يظن أنه ينفعه.

 

حيث ساق إليه المال الحرام بشهادته الباطلة له، فوجبت له النار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” مَن قضيت له من مال أخيه بغير حق فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من نار” رواه البخارى ومسلم، فحكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، فقد يُنهى النزاع بشهادة كاذبة يظن القاضي أنها صحيحة، فليس له إلا الظاهر، وهي في الباطن كاذبة، شهادة زور تحمل شاهدها ذلك، وتجرأ المشهود على أخذ الحرام بتلك الشهادة الكاذبة، فالحرام حرام لا تحله الشهادة الكاذبة، وإن من المحاذير التي ارتكبها الشاهد شهادة الزور، إنه ظلم المشهود عليه، فأخذ ماله، أو عرضه، أو نفسه بتلك الشهادة الكاذبة، ومنها أنه أباح ما حرم الله تعالى وعصمه من المال والدم والعرض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى