مقال

الدكروري يكتب عن الأهرامات والفلسفة المصرية

الدكروري يكتب عن الأهرامات والفلسفة المصرية

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

لقد اكتشف علماء الآثار قرابة السبعين هرما في مصرنا الحبيبة حتى يومنا هذا، وهي موزعة على عشر مجموعات حسب جغرافيتها من الشمال إلى الجنوب، وهذه بالتأكيد ليست كل الأهرامات، حيث يعتقد بأن هناك الكثير منها مدفون تحت الرمال، وكانت الأهرامات تمثل صورة واضحة للفلسفة المصرية، تصور فيها روحها، وأفكارها، وإبداعها، وهندستها، وتدل على الطاقة البشرية الهائلة التي عملت آنذاك، وليس هناك أكثر من سبل الشيطان ومغاويه في الحياة، وليس أسهل من الوقوع في شركها حينما تنقاد النفس مع شراع الشهوات والملذات المستهوية، وبناء على ذلك، فليس غريبا أن نجد فئات واسعة من الشباب في عمر الزهور يقتلون أوقاتهم فيما لا طائل من ورائه جلوسا في المقاهي طيلة اليوم.

 

كالعجزة راصدين كل غاد وراح، أو رابضين أمام أبواب الإعداديات والثانويات، يتصيدون تلميذات المدارس للتحرش بهن ومضايقتهن، وفي أحسن الأحوال يمكثون في بيوتهم نائمين إلى ساعات متأخرة جدا من النهار أو جالسين إلى قنوات اللهو والفساد، وبالتالي اهتمامنا بالإنسان ضروري لأنه محور كل تقدم حقيقي مستمر مهما أقمنا من مباني ومنشآت ومدارس ومستشفيات، ومهما مددنا من جسور وأقمنا من زينات فإن ذلك كله يظل كيانا ماديا لا روح فيه، وغير قادر على الاستمرار، وإن روح كل ذلك الإنسان، فإن الإنسان القادر بفكره، والقادر بفنه وإمكانياته على صيانة كل هذه المنشآت والتقدم بها والنمو معها، ومن هنا فإن بناء ألوطن لن يتم بألشكل ألمطلوب قبل أن نقوم وبجهود حقيقية في بناء ألإنسان.

 

فمن ادعى انه يعمر الاوطان، وهو يتجاهل الانسان، وظن انه سيشتري فكر الشعوب بالشعارات، مخادعا للشعوب، فسيهلك الانسان، وستخرب الاوطان، فلن يبنى وطن في كل بقاع الارض ما لم يبنى الانسان فيه اولا، والمثال واضح بيننا فقيل أنه ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺸﻮﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺎﻥ، ﺑﻨﻮﺍ ﺳﻮﺭ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻭﺍﻋﺘﻘﺪﻭﺍ ﺑﺄﻧﻪ ﻻ‌ ﻳﻮﺟﺪ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺗﺴﻠﻘﻪ ﻟﺸﺪﺓ ﻋﻠﻮﻩ، ﻭﻟﻜﻦ ﺧﻼ‌ﻝ المائة ﺳﻨﺔ ﺍﻷ‌ﻭﻟﻰ ﺑﻌﺪ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺗﻌﺮﺿﺖ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻟﻠﻐﺰﻭ ﺛﻼ‌ﺙ ﻣﺮﺍﺕ ﻭﻓﻰ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺟﺤﺎﻓﻞ ﺍﻟﻌﺪﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ ﻓﻰ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﺧﺘﺮﺍﻕ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﺃﻭ ﺗﺴﻠﻘﻪ ﺑﻞ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺮﺓ ﻳﺪﻓﻌﻮﻥ ﻟﻠﺤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺮﺷﻮﺓ ﺛﻢ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﺒﺎﺏ، وﻟﻘﺪ ﺍﻧﺸﻐﻞ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺑﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﺴﻮﺭ ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺑﻨﺎﺀ ﺍﻟﺤﺎﺭﺱ، ﻓﺒﻨﺎﺀ ﺍﻹ‌ﻧﺴﺎﻥ ﻳﺄﺗﻲ ﻗﺒﻞ ﺑﻨﺎﺀ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ.

 

فإن الأوطان تبنى بحسن الإدارة وحسن استثمار الموارد في جميع مؤسسات الدولة، فالأوطان تبني من خلال تبني ثقافة عمارة الأرض كماامرنا الخالق العظيم سبحانه وتعالى، فإن الأوطان تبني من خلال الجد والاجتهاد وتبنى ثقافة الإتقان، والأوطان تبنى بالإخلاص بالنية والقول والعمل وتلازمهما، والأوطان تبنى بالعلم والمعرفة فاستخدام الأساليب البدائية تؤدي إلى نتائج بدائية، والأوطان تبنى في تبني ثقافة الكل يربح وليس مبدأ أنا اربح وأنت تخسر ولا مبدأ أنت تربح وأنا اخسر ولا مبدأ أنا اخسر وأنت تخسر، والأوطان تبني من خلال المصارحة والصدق، فمن أحسن يقال له أحسنت ومن اخطأ يقال له أخطأت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى