القصة والأدب

الدكروري يكتب عن صاحب كتاب السنن والعلل

الدكروري يكتب عن صاحب كتاب السنن والعلل

الدكروري يكتب عن صاحب كتاب السنن والعلل

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ذكرت المصادر التاريخية الإسلامية الكثير عن الإمام الحافظ الدارقطنى، ومن مؤلفاته هو كتاب السنن، وكتاب العلل، وكتاب الفوائد الأفراد، وقال شيخ الإسلام ابن كثير هو الحافظ الكبير أستاذ هذه الصناعة وقبله بمدة وبعده إلى زماننا هذا، فقد سمع الكثير وجمع وصنف وألف وأجاد وأفاد، وأحسن النظر والتعليل والانتقاد والاعتقاد، وكان فريد عصره، ونسيج وحده، وإمام دهره في أسماء الرجال وصناعة التعليل والجرح والتعديل، وحسن التصنيف والتأليف واتساع الرواية والاطلاع التام في الدراية، وقال عبد الغني بن سعيد الضرير لم يتكلم على الأحاديث، مثل علي بن المديني في زمانه، وموسى بن هارون في زمانه، والدارقطني في زمانه، وقال أبو عبد الرحمن السلمي فيما نقله عنه الحاكم، شهدت بالله إن شيخنا الدارقطني لم يخلف على أديم الأرض مثله.

 

في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصحابة وأتباعهم، وكانت بغداد في عصر الدارقطني تزخر بالشيوخ من أهل العلم والرواية، وكان العلماء المشهود لهم بالمعرفة والحفظ يؤمُونها كافة الأقطار الإسلامية، فتعقد لهم مجالس التحديث والإملاء، ولهم تخصصات متعددة تمثل ثقافة عصرهم، وكان الدارقطني حريصا على الإفادة منهم، وسماع مروياتهم، والأخذ عنهم، والتفقه بهم، وقد أتاحت له حافظته الواعية، وشغفه البالغ ودأبه في الطلب أن يستنزف علومهم، ويستوعب مروياتهم، إلا أنه وهو شديد الرغبة في الاستزادة من العلم، ولم يقنع بما أخذه عن شيوخها، فشد الرحال إلى عدد من البلاد الإسلامية ليلتقي فيها بالحفاظ وأهل العلم، ليسمع منهم ويكتب عنهم.

 

فإرتحل إلى الشام ومصر، وقد قال الأزهري لما دخل الدارقطني مصر كان بها شيخ علوي من أهل مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له مسلم بن عبيدالله، وكان عنده كتاب النسب عن الخضر بن داود، عن الزبير بن بكَار، وكان مسلم أحد الموصوفين بالفصاحة المطبوعين على العربية فسأل الناس الدارقطني أن يقرأ عليه كتاب النسب، ورغبوا في سماعه بقرائته، فأجابهم عن ذلك، فقال له بعد القراءة المعيطي الأديب، يا أبا الحسن، أنت أجرأ من خاصي الأسد، تقرأ مثل هذا الكتاب مع مافيه من الشعر والأدب، فلا يؤخذ عليك فيه لحنه، وأنت رجل من أصحاب الحديث، وتعجب منه، وكان الدارقطني ذكيا، إذا ذكر شيئا من العلم أي نوع كان، وجد عنده منه نصيب وافر.

 

وإن كان كتاب العلل، الموجود، قد أملاه الدارقطني من حفظه، كما دلت عليه هذه الحكاية فهذا أمر عظيم، يقضى به للدارقطني أنه أحفظ أهل الدنيا، وإن كان قد أملى بعضه من حفظه فهذا ممكن وقد جمع قبله كتاب العلل، علي بن المديني حافظ زمانه، وقد توفي الدارقطني سنة ثلاثمائة وخمس وثمانين من الهجرة، بعد حياة حافلة بالجد والحرص على تلقي العلوم ونشرها، وله من العمر سبع وسبعون سنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى