مقال

ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ

جريده الاضواء

الدكروري يكتب عن ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي ضرب صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حسن عشرته ومعاملته لأهله وأصحابه، وسمت معاملاته معهم سموّا لا يدانيه فيه أَحد، فكان صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة لنا في ذلك، فما أحوجنا إلى أن نتأسى بهديه صلى الله عليه وسلم، وأن نحول هديه وخلقه وتعامله مع أهله وأصحابه والناس عامة إلى سلوك عملي، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، أما بعد فإنه قيل أن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم سأل الصحابي الجليل حارثه، فقال له “كيف أصبحت يا حارثة ؟

قال أصبحت مؤمنا حقا، قال انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقة، قال يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني أنظر أهل الجنة في الجنة كيف يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار كيف يتعاوون فيها، فقال صلى الله عليه وسلم “أبصرت فالزم” وهذا عبد نور الله الإيمان في قلبه، وإﻥ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺗﻀﺮ ﺑﺎﻟﺪﻧﻴﺎ، وﺃﻥ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺗﺠﻌﻠﻬﺎ ﺃﻛﺜﺮ ﻫﻢ ﺍﻟﻌﺒﺪ، وﺃﻥ ﻣﺤﺒﻬﺎ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﺬﺍﺑﺎ ﺑﻬﺎ، ﻭﻫﻮ ﻣﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﺩﻭﺭﻩ ﺍﻟﺜﻼﺙ، ﻳﻌﺬﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﺘﺤﺼﻴﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺔ ﺃﻫﻠﻬﺎ، ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﺒﺮﺯﺥ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﺪﺍﺭ ﺍﻵﺧﺮﺓ ، فإنه لا ينقضي عجب المرء من فتنة الدنيا لأهلها مع علمهم بخداعها لهم، ومع جزمهم بنهايتها العاجلة، وأنها مجرد شهوة يعقبها حسرة.

ولقد وصف الله الدنيا بأبلغ عبارة لم تبق للمرء شك في حقارة الدنيا، وأنها غرور وسراب زائل، فقال الله تعالى فى سورة الحديد ” اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر فى الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفى الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور” فهل بعد هذا الوصف يحتاج المسلم للتحذير من الدنيا؟ فقد حصر الله تعالى الدنيا في هذه الأشياء الخمسة، لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر، وتكاثر، ثم مثلها بمثل الغيث إذا نزل على الأرض الميتة ثم أنبتت ثم اصفر نباتها ثم تحطم وصار هشيما تذروه الرياح، وختم القول ببيان من هذه حاله بأنه متاع الغرور، يعني زاد المغرورين المنخدعين.

وقال القرطبي في تفسيره “لعب كلعب الصبيان ولهو كلهو الفتيان، وزينة كزينة النسوان وتفاخر كتفاخر الأقران وتكاثر كتكاثر الدهقان، وقيل المعنى أن الدنيا كهذه الأشياء في الزوال والفناء، وعن علي بن أبى طالب رضي الله عنه قال لعمار بن ياسر “لا تحزن على الدنيا، فإن الدنيا ستة أشياء مأكول ومشروب وملبوس ومشموم ومركوب ومنكوح، فأحسن طعامها العسل وهو بزقة ذبابة، وأكثر شرابها الماء يستوي فيه جميع الحيوان، وأفضل ملبوسها الديباج وهو نسج دودة، وأفضل المشموم المسك وهو دم فأرة، وأفضل المركوب الفرس وعليها يقتل الرجال، وأما المنكوح فالنساء وهو مبال في مبال” وإن ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺣﺒﻬﺎ ﻳﻮﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻫﺎﺕ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ، ﻭﻃﺎﻟﻤﺎ ﺃﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻔﺮ ولعياذ بالله.

ﻓﺠﻤﻴﻊ ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻟﻤﻜﺬﺑﺔ ﻷﻧﺒﻴﺎﺋﻬﻢ ﺇﻧﻤﺎ ﺣﻤﻠﻬﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻫﻢ ﻭﻫﻼﻛﻬﻢ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺮﺳﻞ ﻟﻤﺎ ﻧﻬﻮﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺮﻙ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻜﺘﺴﺒﻮﻥ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، فقد ﺣﻤﻠﻬﻢ ﺣﺒﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﺨﺎﻟﻔﺘﻬﻢ ﻭﺗﻜﺬﻳﺒﻬﻢ، ﻓﻜﻞ ﺧﻄﻴﺌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺃﺻﻠﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻻ تنسى ﺧﻄﻴﺌﺔ ﺍﻷﺑﻮﻳﻦ ﻗﺪﻳﻤﺎ ﺇﻧﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺳﺒﺒﻬﺎ ﺣﺐ ﺍﻟﺨﻠﻮﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﻻ ﺗﻨﺲ ﺫﻧﺐ ﺇﺑﻠﻴﺲ، ﻭﺳﺒﺒﻪ ﺣﺐ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺤﺒﺘﻬﺎ ﺷﺮّ ﻣﻦ ﻣﺤﺒﺔ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺑﺴﺒﺒﻬﺎ ﻛﻔﺮ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻭﻫﺎﻣﺎﻥ ﻭﺟﻨﻮﺩﻫﻤﺎ، ﻭﺃﺑﻮ ﺟﻬﻞ ﻭﻗﻮﻣﻪ ﻭﺍﻟﻴﻬﻮﺩ، ﻓﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ، ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى