مقال

الظلم في الشهر الحرام

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن الظلم في الشهر الحرام
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الأحد الموافق 21 يناير 2024

الحمد لله الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم، أحمده سبحانه كل ليلة ويوم، الحمد لله العليم الخبير، القوي القدير، السميع البصير خلق كل شيء فأتقنه صنعا وتقديرا، وشرع الشرائع فأحكمها عملا وتنظيما، فسبحانه من إله عظيم وخالق حكيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة من العذاب الأليم، والفوز بدار النعيم المقيم، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، أرسله ربه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى بإذنه وسراجا منيرا، فصلوات ربي وسلامه عليه ما تلألأت النجوم، وتلاحمت الغيوم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوقت المعلوم أما بعد، لقد عرفنا شيئا يسيرا عن سيرة وحياة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فماذا عن حياته الإسلامية.

منذ أن أمره الله بالجهر بالدعوة إليه والجهاد في سبيله، لقد أثبتت كتب التاريخ والسير والأحاديث الموثقة الصحيحة، وشهد له القرآن الكريم قبل بأنه ذلك الرجل الذي عبد الله حق عبادته، وجاهد في الله حق جهاده، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وأشفق عليها من مصيرها في الحيلة الدنيا، وفي الحياة الآخرة، أحب ولم يفرق بين أحد، وساوى بين الغني والفقير، والعربي والعجمي في مجلسه وكلامه وحكمه ونظرته، وجميع تصرفاته، وآخى بين المسلمين، وربط أواصرهم بمحبة الله ودين الإسلام، فوضع الكفر والإصر والأغلال التي كانت على المسلمين، فهداهم حدثه به، ووحد كلمتهم، وألف بين قلوبهم، فأصبحوا بنعمة الله ومنته إخوانا، فاللهم صلي وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وأصحابه أجمعين، أما بعد.

روري عن قتادة رحمه الله قال إن الظلم في الشهر الحرام أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواه، وإن كان الظلم على كل حال عظيما، ولكن الله يُعظم من أمره ما شاء، وقال إن الله أصطفى صفايا من خلقه، فأصطفى من الملائكة رسلا، ومن الناس رسلا، وأصطفى من الكلام ذكره، وأصطفى من الأرض المساجد، وأصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالى ليلة القدر، فعظموا ما عظم الله، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله تعالى عند أهل الفهم والعقل، وإن من أظهر الدلائل على تعظيم هذا الشهر الحرام، هو الابتعاد عن ظلم الإنسان نفسه باجتراح الذنوب والسيئات، ومقارفة الآثام والخطيئات، ذلك لأن الذنب في كل زمان هو شر وشؤم على صاحبه لأنه اجتراء على الله عز وجل وعظم سلطانه.

لكنه في الشهر الحرام أشد سوءا وأعظم شؤما، لأنه يجمع بين الاجتراء على الله تعالى، والاستخفاف بما عظمه الله عز وجل، وإذا كان تعظيم الشهر الحرام أمرا متوارثا لدى أهل الجاهلية قبل الإسلام، فكانوا يكفون فيه عن سفك الدم الحرام وعن الأخذ بالثأر والانتقام، أفليس من ينتسب إلى الإسلام أجدر وأحرى بهذا الالتزام؟ ولهذا فينبغي على المسلم أن يكون في هذا الشهر أكثر ابتعادا عن الذنوب والآثام، وتوقيا لكل ما يغضب الله عز وجل، فيبتعد عن ظلمه لربه بالإشراك به سبحانه وتعالى، وصرف شيء من العبادة لغيره عز وجل، ويبتعد عن ظلمه لإخوانه، بالاعتداء عليهم وسفك دمائهم، أو أكل أموالهم وحقوقهم، أو الولوغ في أعراضهم، ونهش لحومهم، وتتبع عوراتهم، وإفشاء أسرارهم، وإلحاق الأذى بهم، وكذلك يبتعد عن ظلمه لنفسه.

والإساءة إلى شخصه بمعصيته لخالقه سبحانه وتعالى، وخاصة ما يتساهل فيه بعض الناس من صغائر الذنوب، فإن صغائر الذنوب متى استرسل فيها الإنسان كان على وجهه في النار مكبوب، إلا أن يتوب، وإلى ربه يؤوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى