مقال

المجتمع وأساليب الدعوة

جريدة الاضواء

الدكروري يكتب عن المجتمع وأساليب الدعوة
بقلم / محمـــد الدكـــروري
اليوم : الجمعة الموافق 17 مايو 2024

الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغاما لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، سيد الخلائق والبشر، الشفيع المشفع في المحشر، صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر، ثم أما بعد إن الدعوة إلى الله تقوم على الحكمة والموعظة الحسنة، وتظهر الحكمة في معرفة المناسب لكل مجتمع من أساليب الدعوة مما يتلاءم مع عاداته وصفاته وأحواله، وكذلك المناسب من الدعوة لكل فئة من الناس، والداعية الحكيم لا يقول كل ما يعرف لكل من يعرف، وهو يتعامل مع العقول حسب مقدرتها لا حسب مقدرته ولا يحملها فوق طاقتها، وإن مما يقوي عزم الأبوين على المضي في هذا، ويسهل مهمتهما، أن يتذكرا أن الطفل الذي بين يديهما مولود على الفطرة، فلا يحتاج لعناء كثير.

كما قال النبي صلى الله عليه وسلم “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه” رواه البخاري، فإن من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد، إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارا، لأن هذا الطفل في مقتبل العمر من شأنه، ومن طبيعته، ومن خصائصه النفسية التعلق بشخصية مثالية، فإن لم تربي ابنك على حب النبي صلى الله عليه وسلم وحب آل بيته وحب المؤمنين، نشأ على حب أناس آخرين تشمئز من أخلاقهم، ومن عاداتهم ومن سلوكهم ومن معتقداتهم ومن أنماط حياتهم ومن تفكيرهم كأن نفس الطفل وعاء إن لم يملأ بشخصيات مثالية، متمسكة بأهداف الفضيلة، امتلأت هذه النفس بشخصيات تافهة ساقطة.

تخطف أبصار الأطفال بشكل أو بآخر، بسبب لا يمت إلى الدين بصلة إطلاقا، وإن الطفل أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه، فإن عُوّد الخير وتعلمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن تعوّد الشر وأهمل إهمال البهائم، شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القائم عليه والوالي له، والأدلة الكونية كثيرة، وتربية الطفل على الإيمان من خلالها يسيرة، فالسماوات والأرض، والشمس والقمر، والبر والبحر، والهواء والمطر، والنبات والحيوان، كلها فرص يغتنمها المربي الموفق، ليغرس في كل مناسبة معنى إيمانيا في نفس طفله، فيقول له مَن خلق هذه يا بني؟ من رفع السماء؟ من بسط الأرض؟ من أنبت الزرع؟ من نوّع بين المخلوقات؟

هذا زاحف وهذا طائر؟ هذا يعيش في البر وهذا في البحر؟ هذا يطير وهذا يمشي؟ من الذي جعل الزهور بهذه الألوان البهيجة؟ ينزل المطر، فيقول المربي من الذي أنزل هذا المطر من السماء؟ وما أثره على الأرض إذا نزل عليها؟ وإذا رأى الشمس سأله من الذي خلقها؟ ثم يوضح له ما جعل الله فيها من مصالح للخلق كلهم، وإذا رأى القمر سأله من الذي جعله مضيئا؟ وكيف يولد أول الشهر حتى يكتمل بدرا في وسطه؟ ومن أشهر ما يُذكر في هذا المقام قوله لابن عباس رضي الله عنهما حين أردفه خلفه يوما، فقال “يا غلام إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” رواه أحمد والترمذي.

وعلى الداعية إلى الله أن يكون رحيما شفيقا على الناس ويريد لهم الخير والنصح ، فيدعوهم إلى شرائع الدين ويحب لهم ما يحبه لنفسه من الإيمان والهدى ، فالداعي الرحيم لا يكف عن دعوته ولا يسأم من الرد والإعراض لأنه يعلم خطورة عاقبة المعرضين العصاة وهو يعلم أن إعراضهم بسبب جهلهم، فهو لا ينفك عن إقناعهم وإرشادهم، وهو حليم بهم رحيم محب لهم ، شفيق عليهم وله في ذلك قدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال الله تعالى في سورة التوبة ” لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى