مقال

مفهوم التنمية الشاملة ” الجزء الأول

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

يمر الإنسان فى حياته بعدة مراحل عمرية تبدأ من الطفولة وتنتهى بمرحلة الشيخوخة، وتتخلل تلك الفترات مرحلة عمرية تدعى بالشباب، وتعرف بأنها الفترة الواقعة بين طفولة الإنسان وبلوغه، وفيها ينمو جسده وذهنه، وللشباب دور هام في بناء المجتمع، لما تتميز به المجتمعات الغنية بالشباب من طاقات تبني وتغير، وقد قيل قديما أن الطفولة قوة لا عقل لها وأن الشيخوخة حكمة لا قوة لها، والشباب يجمع الاثنين القوة والحكمة، وهم يعتبرون العنصر الفعال والأساسي للأمة، وتتميز مرحلة الشباب عند الإنسان بملامح عامة، وأبرزها هى العزيمة والإرادة القوية،

والأحلام والطموحات، والنشاط والحيوية، والقوة، وحب الاستكشاف والمغامرة، ولقد تبوأ الشباب مكانة عظيمة فى الإسلام فى مجال بناء الأمة والرقى بحضارتها فى مختلف المجالات، الأمر الذى جعل منهم قدوة لباقي أترابهم، حتى بعد انقضاء زمانهم، وخلد أسماءهم وإنجازاتهم إلى يومنا هذا، كدلالة على دور الشباب فى ازدهار وقوة مجتمعهم، وقد كان الصحابة الكرام.

 

رضوان الله عليهم أجمعين من حملوا راية الإسلام شبابا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن التنمية الشاملة من أهم مقومات الحياة البشرية في المجتمع ولقد اهتم الإسلام بعملية التنمية بجميع مجالاتها المعنوية والمادية والحسية والعقلية والعلمية والعملية، لأن الإسلام يريد أن يكون أفراده أصحاب قوة ونماء وازدهار في كل شأن من شئون الحياة، فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” المؤمن القوى خير وأحب عن الله من المؤمن الضعيف، وفى كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شئ فلا تقل، لو أنى فعلت كذا وكذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان” رواه مسلم، والتنمية تعنى عملية تطوير وتغيير قدر الإمكان نحو الأحسن فالأحسن، وتكون مستمرة وشاملة لقدرات الإنسان ومهاراته المادية والمعنوية، تحقيقا لمقصود الشارع من الاستخلاف في الأرض، برعاية أولى الأمر، وذلك ضمن تعاون إقليمى وتكامل أممى، بعيدا عن أى نوع من أنواع التبعية.

 

وهذا التعريف جامع وشامل لجميع مجالات التنمية العلمية والعملية والروحية والجسدية وغير ذلك، وإن أهم هذه المجالات بلا شك هو مجال التنمية الإيمانية، فينبغي على العبد أن يسعى إلى تنمية وزيادة إيمانه دائما لأن الإيمان يزيد وينمو بالطاعة وينقص بالمعصية، وإن بالمثال يتضح المقال فلو إننا صلينا الجمعة جماعة في المسجد، فإن النسبة التي حصل عليها كل واحد من المصلين تختلف عن الآخر تبعا لخشوعه وتقواه وإيمانه بالله تعالى، عمار بن ياسر رضى الله عنهما قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” إن العبد ليصلى الصلاة ما يكتب له منها إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها، نصفها” رواه أحمد وأبو داود والبيهقى في شعب الإيمان، لذلك كان الإيمان شعبا أى درجات، وكذلك الكفر شعب كما ذهب إلى ذلك كثير من العلماء، وإذا أردنا التنمية الإيمانية فعلينا أن نسلك سبل عوامل زيادة الإيمان ونمائه وهي كثيرة منها حضور مجالس العلم، ومنها قراءة القرآن وتدبره ففى قراءته وتلاوته.

 

يزداد الإيمان ويدل على ذلك قول الله عز وجل في وصف المؤمنين الصادقين كما جاء فى سورة الأنفال “وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ” ومنها التأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته عز وجل ويدل على ذلك قول الله تعالى كما جاء فى سورة يونس ” قل انظروا ماذا فى السموات والأرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون” فإن العبد إذا تفكر في آيات الله تعالى في هذا الكون عرف عظمة الله تعالى فازداد إيمانه، ومنها أيضا البعد عن المعاصى لأن اقتراف المعاصى سبب في نقصان الإيمان، والبعد عنها ومدافعتها سبب زيادته والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وإن من طاعة الله تعالى أن يبتعد الإنسان عن المعاصى والفتن، فأى إنسان أراد أن يعيش قلبه سليما من الأمراض لا تضره الفتن ما دامت السماوات والأرض فليبتعد عنها ولينكرها، ويدل عليه حديث حذيفة رضى الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول” تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا، فأى قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء.

 

وأى قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا، لا يعرف معروفا، ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه ” رواه مسلم، ومعنى كلمة مربادا أى مخلوطا حمرة بسواد، وكالكوز مجخيا، أى كالكأس المنكوس المقلوب الذى إذا انصب فيه شيء لا يدخل فيه، وقال القاضي عياض” ليس تشبيهه بالصفا بيانا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدته على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثر فيه كالصفا وهو الحجر الأملس” ومنها أيضا حلق الذكر، وقد قال ابن حجر في الفتح” كان معاذ بن جبل يقول للرجل من إخوانه اجلس بنا نؤمن ساعة فيجلسان فيذكران الله تعالى ويحمدانه، وفي شعب الإيمان للبيهقى عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن رواحه قال لصاحب له تعال حتى نؤمن ساعة قال أو لسنا مؤمنين ؟ قال بلى ولكنا نذكر الله فنزداد إيمانا” ومنها أيضا سؤال الله تعالى زيادة الإيمان وتجديده، ويدل عليه حديث.

 

عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وعبد الله بن عمر رضي الله عنه قالا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم” رواه الطبرانى، والحاكم، وإن هناك أسباب أخرى كالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وزيارة القبور، وتأمل سيرة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، والقراءة في سير السلف، والاهتمام بأعمال القلوب كالخوف والرجاء والمحبة والتوكل وغيرها، والدعوة إلى الله تعالى، والتقلل من الدنيا ومن المباحات والفضول في الطعام والكلام والنظر، وتنويع العبادة، وتذكر منازل الآخرة، ومناجاة الله تعالى والانكسار بين يديه، وتعظيم حرماته، وغير ذلك من الطاعات والعبادات والأعمال الصالحه، وإن بضد أسباب زيادة الإيمان نعرف أسباب نقصانه، فقد جاء الإسلام بالأسس المتكاملة لقيام دولة قوية يسودها العدل والرحمة واللحمة بين أفراده فعمل على تنمية المجتمع باستمرار لتجديد شبابه وبث روح الأمل في أركانه فلا تخفت شمسه ولا يهرم شبابه.

 

وإن مفهوم التنمية في اللغة هو طلب الزيادة والبركة، والتنمية الشاملة هي التركيز على جميع مواطن الضعف في مجتمع ما، سواء كان ذلك اقتصاديا أو سياسيا أو اجتماعيا وتساهم القوى الداخلية والخارجية مجتمعة بتحقيق التقدم والتنمية في مختلف الأبعاد، والعمل على تقوية نقاط الضعف التي تعانى منها، كما تسعى إلى تفجير الطاقات الكامنة لدى الأفراد بفتح أفق الابداع والابتكار أمامهم، تأتي التنمية الشاملة للتخلص من الفقر ومعالجته، ومحو الأمية، والتخلص من البطالة بتوفير فرص العمل، لذلك فإن الأمة الإسلامية هى الأمة الوحيدة التي تملك إمكانات بلورة تنمية متكاملة متزنة فدعى الإسلام إلى التنمية الإيمانية، لأن الإيمان يجب أن ينمو باضطراد فإن لم يكن هناك نمو وزيادة في الإيمان تنعكس على التنمية الإيمانية سلبا في حياة الإنسان وسلوكه، وبالتالي يتأثر المجتمع كله، فقال تعالى فى سورة التوبة ” وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون” فزيادة الإيمان مع البشارة تعطى دفعة للعبد المؤمن لتأخذ بيده للعمل والتنمية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى