مقال

هل لا تزال فلسطين حيَة؟

هل لا تزال فلسطين حيَة؟

كتبت/زينب محمود حوسو

فلسطين يبدو كأنها ميتة تسير على قدميها. إنها تشبه المستحيل. أمامها. نهاية الطريق. يتيمة تخلى عنها الجميع. لِمَ لا؟ إنها متعبة ومرهقة وحزينة، تثير الشفقة والغضب معاً. تسير منحنية إلى كارثتها. كل الأبواب مقفلة. حتى السماء أقفلت صباحاتها. نهاراتها معتمة، وشعبها ينحني، يلوّح بأحزانه الباقية، وهي تعرف جيداً. أن الصباح قد تأجل، وان العتمة قرينة ما بعد الإنهيار. لا فسحة حل أبداً. ها هو ينحني إنحناءاته الأخيرة.غريب هذا المآل البائس. لم تعد الصلوات مجدية. فنلوّح بدموعنا: “وداعاً أيتها الخسارات المتراكمة. وداعاً أيها الوطن المستحيل”.

 

لم تكن فلسطين ، منذ ولادتها، مشروعاً ممكناً. لم تكن فلسطين لمن هم فيها. لم تكن أداة جمع بل أدوات فرز. حركات وأحزاب معتلة، لا تنجب وطناً معافى. كل من فيها، ليسوا منها ولا معها. إنهم أضداد ملتئمة مؤقتاً. لم تكن فلسطين .

 

لا أم واحدة لفلسطين. لذا، أصبحت فلسطين موطئ سياسات خارجية. تاريخها متصل، اتصالاً أمومياً، بعواصم دولية أو إقليمية. لذا، لم تكن فلسطين ، مستقلاً أبداً. استعيدوا تاريخها. قلّبوا صفحاتها السود. تذكروا الفتن الصامتة والمعارك الصاخبة، والحلول الخائبة، التي صاغتها، مطامع الغرباء. ويمكننا أن نقول، والشواهد أدلة، لا وجود للفلسطينيين في فلسطين . “الفلسطينية ” ليست واحدة. الهوية، عبارة عن هويات لا تلتقي. والمؤكد في كل ذلك، أن الناس، كانوا على دين زعمائها. ما يقال عنه الشعب، هو خطأ سياسي فادح جداً. لا شعب عندنا. لدينا أتباع، وقلة حرة والأتباع يسيرون حذو النعل بالجباه. ولا مرّة كان “الفلسطينيون فلسطينيين.

 

المشهد المأساوي الراهن، قد يكون الفصل الأخير من تراجيديا الإنحدار المستدام، والإنتحار المجاني. فلسفة الكيان، “عليّ وعلى أعدائي”. وإذا لم يكن ذلك كذلك، فكيف يمكن تفسير سلوك أمراء الأحزاب اليوم، وهم يمعنون بدفع الفلسطينيين دفعاً إلزامياً، إكراهياً، منظماً، إلى الفاقة والجوع والمرض والأحزان والفقدان والإفقار واليأس والانحطاط والعجز و… على وشك الإنتحار.

 

هؤلاء اليوم، هم الأبناء “الشرعيون”. لأجدادهم وآبائهم، الذين أدمنوا النوم في الفراش الأجنبي، أو العربي. أو الدولي. كل ما نحن فيه، سبق أن ذقناه. هل تتذكرون الإنقسام. هل ذقتم من قبل طعم الإفساد والفساد؟ لا جديد حتى الآن. سوى أننا بلغنا النهاية التي نستحقها.

 

كفى ندباً وعويلاً وصراخاً. لم يفدنا شيء من هذا القبيل. كفى توقعاً للمستحيل. المستحيل وحده الحي الباقي. هذا المستحيل، منع ظهور القبضات العارية التي تنكب ضرباً على رؤوس السلطة، أو السلطات. يقال أحياناً: اضرب في كل الإتجاهات وحتماً ستصيب. ستصيبهم عن جد. الفاسدون في كل مكان. فلسطين مبنية على أهم قيمة ملعونة. فلسطين مبنية على عقيدة الفساد المبرمة. والفاسدون هم خدم غرائزهم وحساباتهم. لقد أكلوا الأخضر واليابس. على مرأى ومعرفة ويقين، جميع الفلسطينيون .

 

كان حراك المصالحة أملاً. لقد اغتالته الحزبية علانية. وجسم الحراك نحيل جداً. لأن أكثريته غاضبة على خصم أو عدو منتقى. العدو لم يكن واحداً. لكل فريق أعداؤه. فرز حزبي للأعداء، هذا منا وهذا ضدنا، الفرز ليس على أساس الجرم، بل على أساس الإنتماء. قلّة مباركة. أفلت في ما بعد، صوبت بدقة على المرتكبين، بلا تمييز حزبي. هذه القلة القوية، لا تتغلب على قوى متناحرة، تجرجر خلفها أتباعها. غريب، هناك مساجين يطربون لصوت السلاسل، ويسمونه نغم الإنتماء.

 

عودوا إلى الوراء دائماً. تاريخ فلسطين الحديث هو تاريخ الفتن، واللجوء إلى “صديق”، ولو كان عدواً. 

لا تعدوا الوقت أبداً. لقد خسرنا كل شيء. الرابحون هم المقيمون في السلطة والزعامة والأتباع فقط. الغلابى من الفلسطينيين باتوا أيتاماً: لا وطن. لا مال. لا أعمال. الإفلاس هو رصيدنا الأخير، والقهر هو مصيرنا الدائم. لا تعوِّلوا على حكومة. إن أي حكومة محكومة بالدجل والكذب وهي متهمة بأعظم الارتكابات من قبل ومن بعد. لا أمان ولا أمن ولا تأمين مع هؤلاء أبداً… نصيحة، أقلعوا عن ضياع الوقت في الإستماع إلى كذبهم ودجلهم وفسقهم، وهم يتفوهون بها على الشاشات الشرهة لنشر الكلام على علاته، من دون محاسبة. خلص. اسمعوا صوت قلوبكم وعقولكم وأبنائكم. أجيبوهم: لماذا كنتم كذلك؟ لماذا أخلصتم لناهبيكم وسارقيكم ومرتكبيكم حتى الثمالة. أنتم لستم بحاجة إلى دليل يدلكم على الفاسدين. الفاسدون مشهورون جداً. إنهم نجوم الإطلالات التلفزيونية والتصريحات “البتولية”.

 

علينا أن نوفر عذاباتنا. أن نقلع عن الأمل. الأمل بوطن لن يكون. الأمل بنظام لن يولد. الأمل بمؤسسات خادمة لا مخدومة، الأمل بحياة كريمة وعمل منتج. خلص. لا تحلموا أبداً. كونوا واقعيين عن جد. قولوا هذا الكيان غلط، ومرتكبوا الغلط من قبل ومن بعد، هم هم. لا تحاربوا الفساد. الفساد عقيدة هذه السلطات الحقيرة. لم يلحظ تاريخ فلسطين إلا القليل القليل من القادة ذوي الأيادي البيضاء. البقية ملوثة، حتى صماصيم القلب. الإستقلال متعذر. فلسطين تتسول من الدول، رمقها السياسي الملوث.

 

قليل من الواقعية. اعترفوا بأن المستحيل موجود، وأن فلسطين تنتمي إلى المستحيل.

 

كنت أود أن اكون متفائلة قليلاً

أعتذر. لا أريد أن أكون كاذبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى