مقال

السيدة سمية بنت خياط ” جزء 2″

السيدة سمية بنت خياط ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع السيدة سمية بنت خياط، وياسر بن عامر، وهو رجل يمني قدم إلى مكة ليبحث له عن أخ فقده منذ سنوات فطاب له العيش في مكة فاستقر فيها، ولم يكن من الممكن لشخص غريب عن مكة أن يعيش فيها دون أن يدخل في جوار أحد من سادتها ليحميه ويرعاه، فدخل ياسر في جوار رجل يسمى بأبي حذيفة بن المغيرة، وزوجة أبو حذيفة لها أمة تدعى سمية بنت خياط، ولدت له عمارا وعبد الله والحريث الذي مات قبل البعثة، وقد أخلص ياسر وعائلته لأبو حذيفة، فأحبه أبو حذيفة وأعتق ولدهم عمار بن ياسر، وبعد موت أبي حذيفة انتقلت سمية وولدها عبد الله إلى ورثته من بني مخزوم، فلما جاء الإسلام أسلم ياسر وأخوه عبد الله وسمية وعمار، وحين أسلم آل ياسر عذبهم المشركون أشد العذاب من أجل اتخاذهم الإسلام دينا.

 

وصبروا على الأذى والحرمان الذي لاقوه من قومهم، فقد ملأ قلوبهم بنور الله عز وجل، فعن عمار بن ياسر أن مشركي بنو خزامة عذبوه عذابا شديدا، فاضطر عمار لإخفاء إيمانه عن المشركين وإظهار الكفر، وقد أنزلت آية في شأن عمار في قوله عز وجل في سورة النحل ” من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان” رواه الطبرى، وحينما يأتيه الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأله ما وراءك؟ فيقول عمار وهو يبكي شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تجد قلبك؟ قال مطمئنا بالإيمان، قال “فإن عادوا لك فعد لهم” رواه الطبري، وفي مكة سمع عمار بن ياسر عن محمد بن عبد الله وعن دينه الجديد فأعجبه ذلك الدين الذي يسوي بين كل الناس في الإنسانية والكرامة والعدالة.

 

فتسلل خفية حتى دخل دار الأرقم، وهناك أعلن إسلامه وشهد أن لا إلا الله وأن محمد رسول الله، وعاد إلى بيته فرحا مستبشرا، سألته أمه سمية ما لي أراك مسرورا يا عمار، فشرح عمار لأمه ما عرفه عن الإسلام وتلا عليها قول الله تعالى من سورة الحجرات ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير” فقفزت سمية من مجلسها واستبشرت بانبعاث العدالة والكرامة والخلاص من العبودية، فدمعت عيناها وهي تتذكر صورة سيدها وهو يلقي إليها فتات الخبز وبقايا الطعام، ورنت في أذنها كلماته القاسية وأوامره الفظة، وتذكرت الليالي التي قضتها وهي تبكي وتدعو بالفرج القريب لعله جاء، صاحت بلوعة خذني إليه يا عمار، خذني لرسول الله، فاستقبل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

 

سمية وابنها بالحفاوة والتكريم ولقنها كلمة التوحيد وسمعها وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وخرجت من مجلس رسول الله منشرحة الصدر، وسكن قلبها شعور بالقوة والأمل، شعور بالعزة لم تذق طعمه من قبل، استغرب سيدها للانقلاب المفاجئ الذي اعتراها، لم تعد سمية تلك العبدة الضعيفة التي تطأطئ رأسها خوفا من جبروته، لم تعد تبكي بصمت عندما يشتمها، بات يقلقه ذلك البريق المضيء الذي يلمع في عينيها، شعر به كأنه أسهم من نار تطير نحوه، وكان لم يكن أحد يعرف أنها أسلمت، ومضت سنة تقريبا على إسلام السيدة سمية وزوجها ياسر وولديها عمار وعبد الله، واستطاعوا خلال تلك السنة أن يخفوا إسلامهم، ولكن إلى متى؟ لا يمكن إلا أن يتنفس الصبح بعد العسعسة، وعندما قال الله تعالى لرسوله ” فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين”

 

هنا أظهرت إسلامها ولم تعبأ بقريش ولا بجبروت قريش، وكانت سمية من ضمن قافلة العبيد والضعفاء المتألبين على طغيان الأسياد، فأثار هذا شراسة بني مخزوم، سمية التي لا تملك حولا ولا قوة تريد التحدي وتقوى على الصمود، سنرى وسترى، سنجعلها عبرة لمن يعتبر، هكذا قالوا، صاروا يخرجونها إلى رمال مكة التي تغلي كلهب النار، يخرجونها كل يوم، ويبدؤن في صب صنوف الأذى والاضطهاد عليها وعلى زوجها ياسر وابنها عمار، جلدا بالسياط، تحريق بالنيران، تعرية وجر على الرمال، تجويع وتعطيش، تغريق بالماء، وكانوا يتلذذون بالنظر إلى جروحهم ودماءهم، ويستعذبون أصواتهم وآهاتهم وآلامهم، كانوا يتناوبون على تعذيب هؤلاء الضعاف، كلما تعب جلاد تولى الضرب غيره، وغيره الكثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى