مقال

نسائم الايمان ومع الإسلام فى زمن الإنترنت ” الجزء الثالث عشر “،،

نسائم الايمان ومع الإسلام فى زمن الإنترنت ” الجزء الثالث عشر “،،

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث عشر مع الإسلام فى زمن الإنترنت، وإن من بين أخلاقيات التعامل الإيجابي مع وسائل التواصل الاجتماعي، هو معرفة أن وسائل التواصل سلاح ذو حدين، الأمر الذي يعني أن ما من وسيلة من الوسائل سيئة أو صالحة بذاتها، وإنما تعتمد على طريقة مستعملها أو مستخدمها لها، فإذا استعملها في الخير تحولت إلى أداة نافعة، وإذا وظفها في الشر، استحالت إلى أداة ضرر وإضرار، وهذا هو شأن أي وسيلة قديمة أو حديثة أو مستحدثة، أي إن الوسيلة بطبيعتها حيادية حتى السكين التي نقطع بها شرائح اللحم والفاكهة، هي أداة مصنوعة لغرض النفع والاستخدام الصالح، أما إذا استخدمت كأداة طعن وجَرح وتخويف، فإن شفرتها الحادة والمستعدة للقطع لا تتردد عن أداء هذا الدور السلبي أيضا، وهي بريئة كأداة، ولذلك لم نرى أن أداة جارحة أو قاتلة.

 

حوكمت بمحاكمة مستخدمها، هو وحده الذي يتحمل المسؤولية، وإذا قيل لسنا ضد الوسائل الحديثة، أيا كانت، وإنما نحن ضد استخدامها في الخبث، والشر، والإساءة، والفساد، والتهريج، والتحريف، والتزييف، فإن ذلك يشكل قاعدة حياتية وأخلاقية عامة لا تخص وسائل تواصل مثل الفيس بوك والهاتف المحمول والإنترنت والبريد الإلكتروني والتغريدات وغيرها، وبمعنى آخر، فإن الأخلاق هي الأخلاق، تلازم كل وسيلة حديثة أو مستحدثة اتسع فيه فضاء الحرية، أو ارتفع سقفها، ولا يشذ عن هذه القاعدة أيّة وسيلة تعبيرية أو تواصلية تفاعلية، وإن للحرية حدود، ولا يمكن القول في أي زمن مهما اتسع فيه فضاء الحرية بأنه زمن مفتوح على مصراعيه، بمعنى أنه يكسر كل الحواجز والحدود والضوابط والقوانين لدرجة الانفلات والتسيّب.

 

والاستهتار بالقيم، حتى حالات الطوارئ لها ضوابطها ومحددات حريتها، فكما كان للحرية، قبل دخول وسائل التواصل الاجتماعي إلى عالمنا، ضوابطها من قبيل إن حريتك تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين، أو أنك لست حرا في إيذاء نفسك أو استجلاب المهانة والذلة لها، وكما أنك لست حرا في مخالفة تعليمات وقيود المرور المنصوص عليها، فأنت لست مخوّلا في إرعاب الناس وإدخال القلق والاضطراب إلى نفوسهم، تحت أي عنوان أو مبرر، ولست مرخصا أن تدخن في مكان مغلق يشاطرك الآخرون العمل أو السكن فيه، نعم، يمكنك أن تفعل ذلك، بتجاهل متعمد، ولكنك بذلك تتغافل عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالذين تتعدى حريتك عليهم، وهذا هو بيت القصيد في الاحتراز للحرية، وحمايتها من الانفلات.

 

ذلك أن السيل الكاسح إذا لم يجد سدا في طريقه يكبحه أو يقلل من قوة اندفاعه وضراوته، فإن أحدا لا يستطيع التكهن بمدى الخسائر المترتبة عليه، أو الناجمة عنه، وإن وسائل التواصل الاجتماعي ليست خارجة عن هذه النظرة إلى مفهوم الحرية، نعم، فنحن اليوم في فضاء مفتوح على مصراعيه لكننا لسنا في غابة بشرية يعتدي فيها الأشرس على الأضعف، إلا إذا قررنا ذلك بمحض إرادتنا، وهذا ما نلاحظه ونشاهده اليوم من دعوات الإباحية والتحرر من كل قيد أو ضابط أو قانون أو أخلاقية مرعية، وإن التقنيات والقنوات التواصلية الحديثة مسارح للإبداع والتنمية، فهي مسارح ومنصات للعطاء والإبداع والتواصل الإيجابي، والتعارف، والتعاطف، وتبادل الخبرات والتجارب، وصفوف تعليمية، ومنابر توجيهية، وأسواق ترويجية.

 

وقنوات خبرية، وكل ذلك لما يصلح أن يكون عاملا من عوامل تيسير الخدمة، وسرعة إيصال المعلومة، وفتح أبواب العلاقة مع الآخر أينما كان، وإيصال الرسائل إلى أوسع نطاق متصور وربما غير متخيل أو متصور أيضا، ومن أخلاقيات التعاطي الإيجابي مع وسائل التواصل هو اغتنامها في التوظيف السليم، وهذا عنوان عريض ومطاط بعض الشيء، إذ إن سلامة التوظيف تتوقف على ثقافة المستخدم، ورعايته لضميره الأخلاقي، ومدى إحساسه بتنظيم قيمه وأحكامه لحركة سيره، وحسابه للعواقب والنتائج لأي فعل يُقدم عليه، فقد تطلق شرارة كلمة وتحدث حريقا هائلا، وربما يمكن أو لا يمكن السيطرة عليه بعد أن تمتد ألسنة اللهيب إلى أماكن واسعة لكن مطلق الشرارة يتحمل الوزر الأكبر، وفي المحصلة فإن مسارح التنوير والإبداع والتوعية والتنمية يمكن أن تتحول إلى مسارح لل ربجريمة أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى