مقال

نسائم الايمان ومع التفوق العلمى وأثره فى تقدم الأمم ” جزء ستة وعشرون”،

نسائم الايمان ومع التفوق العلمى وأثره فى تقدم الأمم ” جزء ستة وعشرون”،

إعداد / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء ستة وعشرون مع التفوق العلمى وأثره فى تقدم الأمم، وقد توقفنا مع رجل من كبار الصحابة، اسمه نعيم بن مسعود عندما انقلب من رجل مشرك يحارب الله ورسوله، إلى رجل مؤمن، قال له امرني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعركة على وشك أن ينتهي الإسلام، قال بعض من كان مع النبي صلى الله عليه وسلم أيعدنا صاحبكم أن تفتح علينا بلاد قيصر وكسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته، والله عز وجل قال فى سورة الأحزاب ” هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا” فالإنسان المراقب يوقن أنه بقي للإسلام ساعات، ما اجتمع في الجزيرة عشرة آلاف مقاتل جاءوا ليستأصلوا الإسلام، فقال له امرني، قال له أنت واحد.

 

فقال عليه الصلاة والسلام” خذل عنا ما استطعت” فهذا الرجل الواحد استطاع أن يدخل إلى قريش، وأن يوقع بينها وبين اليهود الذين نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال اليهود ندموا على نقض عهدهم مع محمد صلى الله عليه وسلم، الآن سيطلبون منكم رهائن كي لا تتخلوا عنهم، وهذه الرهائن سوف يقدمونها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليقتلهم، وقال لقريش كلام معاكس، فقد وقع بين قريش واليهود ما فيه الشقاق، والله عز وجل دعم الموقف لأنه أرسل رياحا عاتية، قلبت قدورهم، وأطفأت نيرانهم، واقتلعت خيامهم، وكفى الله المؤمنين القتال، يعني أيام الإنسان موقف واحد يسعد به إلى أبد الآبدين، مثل هذا الصحابى نعيم وهى لحظة عقل واحدة، نقلته من مشرك مقاتل إلى جهنم.

 

إلى مؤمن صحابي جليل، نترض عنه إلي الآن، فالإسلام يحرر العقل، وهذه بلا ريب نعمة عظيمة، كأن أول ما يميز الإنسان عن سائر الحيوانات هو أن الله تعالى منحه العقل ليفكر به، ويتأمل فى نفسه وفى آيات الكون من حوله، ويتعلم ما يمكن تعلمه، بأدواته المختلفة من السمع والبصر والفؤاد، لذلك كان تحرير هذا العقل الذى هو المنحة الكبرى للإنسان من كل ألوان الأسر والرق والحجر عليه، والحجب له عن التفكير الحر، والتعلم المستقل، والبحث الدؤوب، هو من أعظم ما دعا إليه الإسلام فى كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وفى أصوله الفكرية والدينية، ولقد عاب الله تعالي على المشركين اتباعهم للظن في تكوين العقائد التي لا يغني فيها إلا اليقين القائم على البصيرة والبرهان.

 

فيجب علينا التحرير العقلى من أسر التقليد، وأول التحرر من القيود التقليدية، هو قيد التحرر من اتباع الآباء والأجداد، فكثيرا ما وقف هذا الحاجز دون الاستماع والإنصات الحق إلى دعوات أنبياء الله تعالى ورسله، فيما جاؤوا به من البينات والهدى للناس، فتجد نبى الله هود عليه السلام يدعو قومه إلى التوحيد، وترك ما هم عليه من بطر وتجبر وتظالم، متكلما معهم بالحسنى، فما كان منهم إلا أن قالوا له كما جاء فى سورة الأعراف ” أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان عليه آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين” وكذلك وقف الكثيرون من الأقوام المختلفة مثل هذا الموقف الغبى من رسل الله إليهم، ومنهم مشركو العرب، حين جاءهم خاتم رسل الله محمد صلى الله عليه وسلم.

 

فدعاهم إلى توحيد الله، والشهادة له بالرسالة، وتبنى مكارم الأخلاق التى جاء بها من ربه، فرفضوا هذه الدعوة الخيّرة البصيرة، كما حكى عنهم القرآن الكريم فى سورة المائدة ” وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون” وبهذه المناقشات العقلية المضيئة والمنيرة يخاطبهم القرآن الكريم، ليعمل على زحزحة هذه العقول الجامدة، كأنها الحجارة أو أشد قسوة، فلم يسلموا إلا بعد مشوار طويل، سقط فيه من سقط، ونجا فيه من نجا، فالتقليد الأعمي يسبب تعطيل السمع والبصر والفؤاد وينزل بالإنسان من أفق الإنسانية العاقلة إلى حضيض البهيمية الغافلة، بل يجعل الإنسان أضل سبيلا من الأنعام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى