القصة والأدب

التماسيح البشرية والماعز الأليف

التماسيح البشرية والماعز الأليف

………….

رشيد مصباح (فوزي)

…………..

مداوروش في:

السبت 10 يوليو 2021

الموافق لـ

٣٠ ذو القعدة ١٤٤٢ هـ

**

تم تعييني على رأس المندوبية البلدية للإشراف على الانتخابات المحليّة التي جرت في نهاية التسعينيّات. فقمتُ بما تقتضيه الأمانة وأملاه عليّ ضميري. غير أن ذلك لم يكن ليرضي أصحاب المعالي. فقاموا إليّ يهدّدوني تارة، وتارة يلاطفونني. فلمّا يئسوا منّي أوفدوا نائبا برلمانيا إلى البلدية؛ البروفيسور (بن حركات) ذكره الله بخير، إذا كان حيّا وليرحمه الله إذا كان قد فارق الحياة، وهذا بعدما قاموا بمزيه ونفخه. فجاء الرّجل يهرول لكي يرغمني على تغيير محضر النتائج النهائية، وإضفاء الشرعية على عملية التّزوير. فيكون بذلك قد حقّق أمنيته ووضع حدا لرعونتي التي تجاوزتْ كل الخطوط والحدود. وكنتُ حينها أراهن بقوّة على الأعضاء الجدد باعتبارهم المنتخبين الشرعيين. لكنّهم خيّبوا أملي بخنوعهم وخضوعهم له، و صمتهم وسكوتهم أمامه. فما كان منّي إلاّ أن أنصاع للأوامر وأقبل بالأمر الواقع، فعدلتُ عن رأيي وتراجعتُ عن قراري، وقلتُ في نفسي: “هذا حال الماعز الأليف، وما ذنبي أنا وما علاقتي بكرنفالات مشبوهة وانتخابات ” لا ناقة لي فيها ولا جمل”.

وهو يهمّ بالخروج همس النّائب المحترم بأُذني قائلا: ” ألك حاجة نقضيها لك؟”

فتذكّرتُ ما رُوي عن الخليل، عليه وعلى نبيّنا أفضل الصّلاة وأزكى التسليم، لمَّا رماه قومه بالمنجنيق في النار فاستقبله سيّدنا جبريل وهو يتقلّب بين الثّرى والأرض والسّماء فقال له: “يا إبراهيم ألك حاجة؟|. وجاء ردّ الخليل: “أمّا إليك فلا”. قال جبريل: “فسل ربُّك”. فقال الخليل: “حسبي من سؤالي عِلْمه بحالي”.

كانت البديهة حاضرة فأجبته على الفور: “محتاجين شويَّة مطر إذا كانت لديكم قدرة على ذلك”.

لو كانت لي حاجة بالفعل، أو مسألة شخصية في تلك الأيام التي تميّزتُ فيها عن أقراني بالعبث وغياب روح المسئولية، لما تردّدتُ في طلبها من سيادة النّائب الذي حقّق ما كان يرغبُ فيه وجاء من أجله.

البروفيسور أخذ كلامي بمحمل الجد معتبرا إيّاه ” تهكّما وسخرية”، فبدا الامتعاض على وجهه وخرج مسرعا دون أن يلتفت وراءه بالمرّة. ولم أكن أمزح حين قلتُ له نحتاج إلى من يدرّ علينا السّماء بالمطر، لأن منطقتنا القبْليّة قاحلة بالفعل، وتعاني من الجفاف والقحط الشديدين.

تصوّروا معي لو أنّ بلدا فقيرا لا نفط فيه، ولا غاز ولا امتياز، هل كانت هذه “التماسيح البشرية” التي تذرف الدّموع لاستمالة المغفّلين السذّج في كل مناسبة تستقطب اهتمامهم فيسيل لُعابهم، ستتنافس على المناصب بهذه الشراسة وهذه الحدّة؟

قتل امرئٍ في غابةٍ ** جريمةٌ لا تُغتَفر

وقتـــل شعب آمن ** مسألة فـــــيها نظر

[أديب إسحاق]

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى