مقال

نفحات إيمانية ومع وهو يهدى السبيل ” الجزء الرابع “

نفحات إيمانية ومع وهو يهدى السبيل ” الجزء الرابع ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع مع وهو يهدى السبيل، وقد أفلح من هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، لن يأتي في يوم فيأكلوا أكل عشرة من الناس في آن واحد، سيأكل كما يأكل غيره، ولن يلبس كما يلبس عشرة من الناس في آن واحد، سيلبس كما يلبس غيره، سيأتيه ما يحصل به المقصود من هذا اللباس، وهذا الطعام، وغير ذلك من احتياجات الناس، كان عيشه كفافا ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بذلك، ويقول “اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا” وكان صلى الله عليه وسلم يقول.

 

لما عرض عليه جبريل الغنى قال “بل أعيش كما يعيش العبد، أجوع يوما وأشبع يوما” أو كما صح عنه عليه الصلاة والسلام، وقنع به، ذلك أن القناعة قد فسّرت بمعنى الحياة الطيبة في هذه الآية الكريمة لأن من لم يرزق القناعة، فمهما ملك ومهما رزق، ومهما أوتي، فلا يزال يشعر أنه في نقص، فهو في حال بئيسة ساخط على نفسه، وأعظم من ذلك سخطه على ربه، لم يقنع بما أتاه الله، يرى أن الناس خيرا منه، أوتوا مالا وأولادا، وأوتوا صحة وثراء، فهو ساخط على ربه شاك له، ومثل هذا من أعظم ما يصاب به الإنسان أن يكون متسخطا على ربه، ظانا به ظن سوء، عياذا بالله من هذه الحال، ولذا فإن من أعظم ما يعين الإنسان على الحياة الطيبة، أن يربي في نفسه القناعة.

 

فإذا امتدت عينه إلى حال الآخرين، تذكر ما عنده من النعم وهي كثيرة كما قال الله تعالى فى سورة إبراهيم “وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار” فإذا كان الإنسان ينطلق من هذه المنطلقات، يرى الخير الكثير الذي أوتي، ويرى الحياة الدنيا من خلال منظار صحيح لا يقوم على استكثار المال، وأنه العنصر الأوحد لحصول الحياة الطيبة، بل نظر على وفق ما تقدم من اطمئنانه وصلته بربه جل وعلا، وما يكون له من حسن العقبى في الآخرة، ورؤيته أن هذه الحياة الدنيا ما هي إلا محطة مؤقتة يتزود منها ما يساعده ويعينه على لقاء ربه، وحلول جنته، فإنه حينئذ سيشعر بطمأنينة لا يمكن أن توصف، ولا أن تحصل بمال كثير، ولا بجاه ولا مناصب، ولا بغير ذلك.

 

إنها الطمأنينة النفسية والقناعة القلبية التي تورث عند الإنسان رضا عن ربه جل وعلا، فمتى وصل إلى هذه الحال، كان الله له، وكان الله معه، والله يقول كما في الحديث القدسي “أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء” فالحياة الطيبة هذه موازينها، وإن اختلفت معايير الناس، وقد يحصل بعض الناس في هذه الحياة الدنيا نوعا من الحياة الطيبة، ولونا من ألوان سعادتها، لكنها لا تكمل إلا للمؤمن، ذلك أنه ربما أعطي بعض أصحاب الإحسان من غير المسلمين، وممن لم يرد وجه الله، أعطوا جزاء إحسانهم لأن الله يجزي المحسنين بإحسانهم، ولو لم يكونوا مسلمين، والله عز وجل يحب من يحسن إلى خلقه، فإن كان مؤمنا جُزي، وكفي في الدنيا والآخرة.

 

وإن كان غير مسلم أعطي وعُجل له ثوابه في الدنيا كما يوضحه ما ثبت في صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا، ويثاب عليها في الآخرة، وأما الكافر فيعطيه حسناته في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا” وإن الحياة الطيبة إذا نظر إليها بهذا المنظار المتوازن، أورثت طمأنينة لدى الإنسان، وفي هذا السياق ذكر بعض أصحاب كتب الأدب والسلوك أن تاجرا غنيّا واسع المال، كان على طرف بحيرة في مكان أراد فيه الاستجمام، فرأى صيادا في قاربه، وصعد معه، ووجد أنه يصيد ما تيسّر له من أسماك البحيرة، ويعود به إلى أهل بيته ….؟؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى