مقال

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلاقه بينهما “الجزء الثالث “

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلاقه بينهما “الجزء الثالث ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع المسجد والسوق والعلاقة بينهما، وتعتبر يثرب إحدى أهم واحاتها في الجزيرة العربية إلى جانب الطائف وعسير وحضرموت، فهذه المناطق كانت تمتاز بخصوبة أراضيها ووفرة مياهها وكثرة وتنوع أغراسها وقد كان التطور الزراعي في يثرب حصيلة الخبرة الزراعية التي أتى بها اليهود من بلاد الشام من جهة رغم تحفظ بعض الباحثين على إطلاق هذه الفكرة وأنها غير مسم بها مطلقا فأهل المدينة لا تنكر خبرتهم في شؤون الزراعة والعرب التي هاجرت من بلاد اليمن من جهة ثانية، أما فيما يخص النشاط الصناعي والحرفي فقد قامت في يثرب مجموعة من الصناعات الخاصة التي تعتمد على الإنتاج الزراعي المحلي.

 

كما عرفت بعض الصناعات التعدينية كصناعة الأسلحة والآلات المستخدمة في الري والزراعة، فضلا على أن فائض الإنتاج الزراعي والصناعي يقتضي تطوير أساليب التجارة لصرفه نحو الخارج، وإن أهمية السوق الإسلامية للمسلمين في المدينة المنورة تأتي من ضرورة وجود كيان اقتصادي قوي للمسلمين في مواجهة الكيانات الاقتصادية المعاصرة سواء على مستوى المدينة نفسها في مواجهة اليهود أم على مستوى الدول والممالك المجاورة نظرا لمنافسة الممالك المجاورة للمسلمين خاصة والعرب عامة وكونهم إلى حد كبير يشكلون سوقا لتصريف الكثير من بضائع ومنتجات تلك الممالك، وتروي كتب السيرة أنه كانت في المدينة المنورة سوق تسمى سوق بني قينقاع.

 

في حي من أحياء اليهود، وكانوا يتعاملون بالربا والمقامرة، والتدليس والغش، والغرر والسحت والاحتكار، ويفرض على المتعاملين فيها الإتاوات، وهذا كله لا يتفق مع القواعد والضوابط الإسلامية للمعاملات، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشئ سوقا جديدة للمسلمين، فذهب إلى مكان قريب من سوق بني قينقاع وضرب قبة أى خيمة كبيرة لتكون رمزا وعلامة يتجمع حولها المسلمون للبيع والشراء، فاغتاظ اليهود من ذلك وقام كعب بن الأشرف وهو زعيم اليهود وعدو المسلمين فهدم الخيمة وقوَّضها وقطع أطنابها، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يشأ أن يجعل لهذا التصرف قيمة ولم يلتفت إلى هذا السلوك الاستفزازي، وهذه المحاولة اليائسه من قبل عناصر اليهود المتعصبة.

 

بل رد عليها عمليا فقال متحدثا عن كعب بن الأشرف وفعلته “والله لأضربن له سوقا أغيظ له من هذا” وفي رواية أخرى “لأنقلها إلى موضع هو أغيظ له من هذا” واختار مكانا فسيحا بأطراف المدينة بعيدا عن المحال السكنية وذلك باقتراح من أحد الصحابة الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم إني نظرت موضعا للسوق، أفلا تنظرون إليه؟ قال ” بلى “فقام صلى الله عليه وسلم معه فلما رآه أعجبه وركض برجله صلى الله عليه وسلم وقال ” نعم سوقكم هذا” فلا ينقصن ولا يضربن عليكم بخراج وفي رواية وقال صلى الله عليه وسلم “هذه سوقكم لا تتحجروا ولا يضرب عليه الخراج” ويقصد بذلك لا بد وأن تكون السوق واسعة ولا يضيق التجار بعضهم على بعض في الأماكن.

 

كما لا يجوز لولي الأمر أن يفرض على المتعاملين فيها إتاوات أو رسوما أو ضرائب خلاف زكاة المال المقررة شرعا، وقد ظلت هذه السوق طيلة عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين عبارة عن فضاء حر من دون بناء، يخضع في تدبيره لنظام سنة المساجد كما كان يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه الأسواق على سنة المساجد، من سبق إلى مقعده فهو له حتى يقوم إلى بيته أو يفرغ من بيعه، ولم يبدأ البناء في الأسواق إلا على عهد معاوية بن أبي سفيان الذي سن تأجير أماكن السوق ثم إن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا فيه معالم كثيرة وهدي اقتصادي نبوي يجب على المسلمين عامة وأرباب التجارات خاصة أن يعوها، منها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى