مقال

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية “الجزء الخامس “

نفحات إيمانية ومع المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية “الجزء الخامس ”

إعداد / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع المسجد والسوق والعلوم الشرعية والدنيوية، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجلس في المسجد النبوي بالمدينة لتعليم المسلمين أمور دينهم، وتبصيرهم عاقبة أمرهم، حتى كان مجلسه تنافسا بين الصحابة رضوان الله عليهم، فكان كلهم يبغي السبق إلى حضور هذا المجلس العلمي، والظفر بالإنصات إلى الدروس النبوية، وكان صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح انصرف إلى موضوع الأسطوانة المسماة اليوم أسطوانة التوبة، إشارة إلى توبة أبي لبابة حيث يتحلق حوله أصحابه حلقا بعضها دون بعض، وكان يحدثهم إلى طلوع الشمس، كما كان الإمام مالك بن أنس يتبع خطى الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

فلقد ورد أنه صلى الله عليه وسلم كان يجلس في أول انتصابه للعلم بالمسجد، وكانت في المسجد النبوي الأسطوانة التي كان يجلس إليها الرسول صلى الله عليه وسلم هذا إلى جانب غيره من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذين جلسوا للتعلم في المسجد، ومن جاء بعدهم حتى إنشاء المدارس، وكان من الطبيعي بالنسبة لتطور مفهوم العلم في الإسلام أن تنشأ البذرة الأولى دينية محضة، فالناس بحاجة إلى تفهم الدين الجديد، ومعرفة قواعده وأصوله، وفهم أهدافه ومراميه، ومن تم فالمكان المناسب لذلك هو المسجد، فكان المسجد أول مدرسة جماعية منظمة عرفها العرب لتعليم الكبار والصغار، ولتربية الرجال والنساء، ومن هنا نرى أن المسجد لم يكن للصلاة فقط.

 

بل كان إلى جانب أداء الصلاة مكانا للتعليم، ومدارسة القرآن الكريم، وتفهم معانيه على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الذين تعهدوا هذا العمل النبيل من بعده، وحرصوا على استمرار رسالة المسجد العلمية ابتغاء وجه الله، واتباعا لسنة الرسول المعلم والمربي صلى الله عليه وسلم، منفقين على أنفسهم، أو تعولهم الجماعة المؤمنة، ومن الثابت أن أهل العلم في القرون الأولى لم يتقاضوا رواتب من الحكومات فيما عدا ما نسمع عنه من الجوائز والصلات بين الحين والحين، وهذه ليست رواتب، وقد اعتمد العلماء على أنفسهم وعلى الجماعة في شئون معاشهم، ولا شك في أن الجماعة تكفلت بمعاش المعلمين، ولقد كان من الطبيعي أن يكون المسجد هو مقر تعليم قراءة القرآن.

 

والحديث الشريف، والتفسير، وأوامر الدين، ومن ينوب المسلمين نظرا لمكانة المسجد السامية التي أوجدها الإسلام، لذا فإنه لا يكاد يوجد مسجد يخلو من حلقات العلم والتعليم، وفي صحيفة همام بن منية أن عدد المساجد التي بنيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة مساجد، وأن أكثرها اتخذ مدارس للتعليم، وكان الحج يجمع المئات في أركان المسجد الحرام، يجلسون للفتاوى بتدريس العلوم، وكذلك فعل التابعون من كبار الفقهاء، وأصحاب الحديث، ورجال التفسير حتى ذكر أن المسجد الحرام كان يغص في عهد الأمويين، والعباسيين من بعدهم بحلقات العلم، فهذا يفسر القرآن، وذاك يروي الحديث متصلا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يفصل مسائل الفقه.

 

أو غير بعيد منه إمام في العربية والشعر يتلو الشواهد ليثبت الحرف الأصيل بالكلمة الفصيحة، مستندا إلى آية من كتاب الله، أو رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو منقول من عربي أصيل، ويبدو لنا أن طلاب هذه الحلقات العلمية هم خليط من أفراد المجتمع الإسلامي، لا طبقية بينهم، ولا تفاضل، ولا يُرد أحد عن الاستماع إلى ما يدور أو يدرس، ولا يمنع أحد من المناقشة وإبداء الرأي والاستفسار عما خفي أو جهل، وأي جامعة شعبية كالمسجد تسع الجميع في رحابها، في الليل والنهار في الصيف والشتاء، ولا ترد طالبا شيخا كان أو صبيا، ولا تشترط رسوما ولا تأمينا، ولا تضع قيودا ولا عراقيل، ولم تكن مدرسة المسجد مقتصرة على تعليم الفقه، وتفسير القرآن الكريم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى