مقال

نفحات إيمانية ومع الجعد بن درهم الخرسانى “جزء 2”

نفحات إيمانية ومع الجعد بن درهم الخرسانى “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع الجعد بن درهم الخرسانى، ومحنة خلق القرآن هو فكر انتشر في عهد الخليفة العباسي المأمون من قبل فرقة المعتزلة، والتي تعد أن القرآن الكريم هو مخلوق وكلام الله مخلوق، وهو ما ابتدع القول به الجهم بن صفوان، واقتنع بهذا الرأي الخليفة المأمون وطالب بنشر هذا الفكر وعزل كل قاضى لا يؤمن به، وهو ما لقي معارضة واستهجان كثير من الائمة مثل الإمام أحمد بن حنبل والذي تحمل من أجل ذلك الكثير من التعذيب حتى قام الخليفة المتوكل بإنهاء هذه المحنة وأفرج عنه، وأصل هذه المسألة شبهة قديمة أراد أن يثيرها يوحنا الدمشقي الذي قال إذا كان القرآن غير مخلوق فهو أزلى وبالمثل فإن النبي عيسى أزلي لأنه كلمة الله.

 

وإن كان مخلوق فهو منفصل عن قدسية الله مثل باقى المخلوقات، والرد أن القرآن علم من علوم الله غير مخلوق أزلي علمه وحادث نزوله وخلق عيسى وسائر المخلوقات أزلي علم الله بهم وحادث خلقهم، وقد كان ظهور فرقة المعتزلة تأسيسا لما أصبح يسمى بعلم الكلام الذي اختص بدراسة قضايا العقيدة،أما في الواقع فقد مثل المعتزلة بداية التفاعل مع التصور السائد الديني والمعرفي والفكري في البلاد المفتوحة وبداية تعديل تفسير النص المقدس وفق أسس عقلية تحديدا، ولقد كانت مدرستا النقل في الحجاز والعقل في العراق في مقاربة القضايا الفقهية قد تمايزتا لتحددا المقاربتين الأبرز للنص المقدس، وهكذا إلى جانب القضايا السياسية الساخنة المتعلقة بقضية الإمامة وتبرير ظهور الملك العضوض.

 

وهو شخصية الحاكم المطلق، وقد برزت قضية هامش ودور العقل في مقاربة النص المقدس وتفسيره، وقد أراد المعتزلة أن يفسروا النص المقدس بما يحقق انسجامه مع مقتضيات العقل فيما اعتمدت مدرسة أهل الحديث على مبدأ تقديم النقل على العقل، ومن هذه المقدمة وصل المعتزلة إلى نفي صفات الذات الإلهية فأبطلوا أن تشاركه في القدم ومن هذا النفي كان اعتبارهم القرآن الكريم، مخلوقا أي محدثا، ومن هنا بدأت المحنة، أو محنة خلق القرآن وهي تعد تتابع أحداث في التاريخ الإسلامي واستمرت قرابة خمسة عشر عاما، وإن من أسباب نشوء المحنة كان محاولة من الخليفة العباسي المأمون في عام مائتين وثمانى عشر من الهجره، لفرض آرائه الفلسفية حول عدة مواضيع.

 

وكان يتلخص في سؤال واختبار أشخاص بعينهم، فيما يرونه من وجهة نظرهم، حول ما إذا كان القرآن مخلوقا أم لا، فكل الطوائف أجابت أن القرآن هو الكلمة التي لم تمسها شائبة منسوبة إلى الله العلي، بما يعنى أن القرآن كلام الله ولم يخلق، وكانت المسألة هل القرآن مخلوق؟ وكان هذا هو موقف ورأى المأمون، أم أن القرآن هو كلام الله، وكان هذا الجواب الأخير لايخلو من العواقب من قبل المحققين واتخذت ذرائع ضد من رفض الزعم بخلق القرآن، بما فيها الفصل من الوظيفة العمومية، والسجن، وحتى الجلد أيضا واستمرت المحنة بعد وفاة المأمون وفي عهد خلفه المعتصم بالله والواثق بالله وقد انتهت بوصول المتوكل على الله، وقد تشكل مسألة خلق القرآن التي قال بها المعتزلة .

 

أخطر القضايا المثارة في الجدل اللاهوتي الذي شهده التاريخ الإسلامي في العصرين الأموي والعباسي، بل إن هذه القضية لا تزال تحتل موقعا راهنا في السجال حول كيفية قراءة النص الديني، وقد أتى قول المعتزلة بان القرآن مخلوق وليس أبديا تطبيقا عمليا لاعتماد العقل في تفسير الشريعة الإسلامية، واستندوا هنا أيضا على نصوص دينية لدعم حجتهم، وفي هذا المجال، انطلق المعتزلة من مسألة صفات الله تعالى، فبعد أن قرروا وحدة الذات الإلهية وصفاتها، وقرروا نفي الصفات الزائدة عن الذات، تحولوا إلى النظر في ما ورد من هذه الصفات داخل النصوص الدينية عبر إخضاعها إلى التأويل العقلي، وقد اعتبر المعتزلة أن القرآن يحوي نصوصا متنوعة، ومختلفة ومتعارضة أحيانا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى