مقال

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 9″

نفحات إيمانية ومع إنسانية الحضارة الإسلامية ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع إنسانية الحضارة الإسلامية، وبعد إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من الأفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى، وعلى كل خير، لتعمير هذه الأرض، واستخراج ما بها من خيرات، وتسخيرها لخدمة الإنسان وسعادته، وقد كان آباؤنا على قدر المسئولية، فحملوا هذه الحضارة، وانطلقوا بها يعلمون العالم كله ويوجهونه، وقد قدمت الحضارة الإسلامية ما غيّر مسالك الحضارة الإنسانية، إن كان من خلال ما قدمته من إبداع علمي معرفي، أو من خلال النظريات والمدارس العلمية والفكرية، فقد حررت الحضارة الإسلامية العقل البشري من الأغلال التي كانت تقيده، حيث كانت حضارت أخرى ترفض بأغلالها مبتدعاته وتحاربه.

 

ثم لا تقف على ذلك فحسب، بل كانت تتهم المفكرين وأصحاب العقول، بالهرطقة والجنون، والكفر والمجون، فهدمت الحضارة الإسلامية ذلك، مبينة أن استخدام العقل جزءا لا يتجزأ من الدين والعبادة، وكذلك فإن الحضارة الإسلامية هى التي جعلت الحالة المادية والحسيية وما ينجزه الإنسان من تطور مادي مرتبطا بالأخلاق والتقوى، موجهة ذلك إلى خدمة الإنسانية وحمايتها من الفساد، الأخلاقي والمعرفي، وعلى هذا فإن ثمة مقومات للحضارة الإسلامية، أهمها هو قيام الحضارة الإسلامية على المفهوم العميق للإسلام، وفروح هذه الحضارة إرثها الديني متمثلا بالقرآن الكريم وسنة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وهما ما وضح لهذه الحضارة الإسلامية غايتها وأهدافها.

 

فكان القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة مدادها ومنبع أهدافها، فحددا أعمالها، وأمداها بالقوة والثبات والتماسك، وإن للحضارة الإسلامية، ثلاثة أنواع، وهى حضارة التاريخ أو حضارة الدول، وهي الحضارة التي قدمتها دولة من الدول الإسلامية لرفع شأن الإنسان وخدمته، وعند الحديث عن حضارة الدول ينبغي أن نتحدث عن تاريخ الدولة التي قدمت هذه الحضارة، وعن ميادين حضارتها، مثل الزراعة، والصناعة، والتعليم، وعلاقة هذه الدولة الإسلامية بغيرها من الدول، وما قدمته من إنجازات في هذا الميدان، والحضارة الإسلامية الأصيلة، وهي الحضارة التي جاء بها الإسلام لخدمة البشرية كلها، وتشمل ما جاء به الإسلام من تعاليم في مجالات العقيدة، والسياسة، والاقتصاد، والقضاء، والتربية.

 

وغير ذلك من أمور الحياة التي تسعد الإنسان وتيسر أموره، والحضارة المقتبسة، وتسمى حضارة البعث والإحياء، وهذه الحضارة كانت خدمة من المسلمين للبشرية كلها، فقد كانت هناك حضارات وعلوم ماتت، فأحياها المسلمون وطوروها، وصبغوها بالجانب الأخلاقي الذي استمدوه من الإسلام، وقد جعل هذا الأمر كتاب العالم الغربي يقولون إن الحضارة الإسلامية مقتبسة من الحضارات القديمة، وهما حضارتا اليونان والرومان، وأن العقلية العربية قد بدّلت الصورة الظاهرة لكل هذه الحضارات وركبتها في أسلوب جديد، مما جعلها تظهر بصورة مستقلة، وهذه فكرة خاطئة لا أساس لها من الصحة، فالحضارة الإسلامية في ذاتها وجوهرها إسلامية خالصة، وهي تختلف عن غيرها من الحضارات اختلافا كبيرا.

 

فإنها حضارة قائمة بذاتها، لأنها تنبعث من العقيدة الإسلامية، وتستهدف تحقيق الغاية الإسلامية، ألا وهي إعمار الكون بشريعة الله لنيل رضاه، لا مجرد تحقيق التقدم المادي، ولو كان ذلك على حساب الإنسان والدين كما هو الحال في حضارات أخرى، مع الحرص على التقدم المادي لما فيه من مصلحة الأفراد والمجتمع الإنساني كله، أما ما استفادته من الحضارات الأخرى فقد كان ميزة تحسب لها لا عليها، إذ تعنى تفتح العقل المسلم واستعداده لتقبّل ما لدى الآخرين، ولكن وضعه فيما يتناسب والنظام الإسلامي الخاص بشكل متكامل، ولا ينقص من الحضارة الإسلامية استفادتها من الحضارات السابقة، فالتقدم والتطور يبدأ بآخر ما وصل إليه الآخرون، ثم تضيف الحضارة الجديدة لتكمل ما بدأته الحضارات الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى