مقال

نفحات إيمانية ومع المسلمون وحضارة الإنسانية ” جزء 7″

نفحات إيمانية ومع المسلمون وحضارة الإنسانية ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء السابع مع المسلمون وحضارة الإنسانية، وكان أول مستشفى للجذام بناه المسلمون في التاريخ سنة تسعة وثمانون من الهجرة بدمشق، في حين أن أوروبا كانت تنظر إلى الجذام على أنه غضب من الله يستحق الإنسان عليه العقاب حتى أصدر الملك فيليب أمره سنة الف وثلاثة مائة وثلاثة عشر ميلادى بحرق جميع المجذومين في النار، وكانت المستشفيات العربية ذات خدمات عامة وفيها أقسام طب خاصة بالمسنين، وفيها غرف لكبار السن وأمراض الشيخوخة، وكانت توجد المستشفيات الخاصة والمستوصفات لكبار الأطباء بالمستشفيات العامة، وإن حضارة الإسلام لما تمكنت في الأرض أقامت العدل في الجملة، وحكمت بين الناس بشريعة الله تعالى فأَمِن المؤمن والكافر، والبر والفاجر.

 

وأخذ كل ذي حق حقه، لإنها حضارة لم تحتكر العلوم والمعارف، ولا الصناعة والتجارة، وأتاحت علومها ومعارفها لكل منتفع بها، وفتحت معاهدها ومصحاتها لكل محتاج إليها، فبرع في العلوم التجريبية من طب وهندسة وصناعة ونحوها النابغون من شتى الملل والأجناس، من يهود ونصارى ومجوس وباطنيين إضافة إلى المسلمين، ونعم بها روم وفرس وترك ولاتين وغيرهم من الأجناس بالإضافة إلى العرب، وسبب ذلك ما أصّله دينهم في نفوسهم من نفع الناس، وبذل المعروف لهم، والإحسان إليهم، ونصوص الكتاب والسنة قد روضت المسلمين على ذلك فقال تعالى فى سورة الحج “وافعلوا الخير لعلكم تفلحون” وقال تعالى فى سورة البقرة “وأحسنوا إن الله يحب المحسنين”

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس” فإنها حضارة لم تفسد الاقتصاد بالربا والقمار، ولم تخنق الفقراء بالغش والاحتكار، وراعت حاجة الكبير والصغير، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والرجل والمرأة، والمسلم والكافر، فأعطت كل ذي حق حقه بلا زيادة ولا بخس، فهذه الحضارة العظيمة وسعت الناس كلهم، وشهد لها المؤرخون من شتى الأديان والأجناس، وأقروا بأنها أعظم حضارة مرت على البشرية منذ دون التاريخ إلى زمننا هذا، فهذه الحضارة المميزة في جميع الميادين والمجالات تجد عقوقا وحقدا عليها من بعض أبنائها، يفوق حقدهم عليها حقد أعدائها، فيفضلون عليها حضارات اليونان والرومان والفرس والفراعنة.

 

وكلها حضارات وثنية دموية ظالمة، ويزرون بحضارة الإسلام عند مقارنتها بحضارة الغرب العلمانية الإلحادية، رغم ما فيها من توحش ودموية، ومن المعروف أن الدولة الإسلامية في عصور ازدهارها كانت تعطي أهمية قصوى لمرافق الخدمات العامة مثل المساجد ودواوين الحكومة والحمامات، والمطاعم الشعبية واستراحات المسافرين والحجاج، ومن البديهي أن تكون أهم هذه المرافق المستشفيات فقد كانت هذه المستشفيات تتميز بالاتساع والفخامة والجمال مع البساطة، ومن بين هذه المستشفيات التراثية الباقية إلى اليوم مستشفى السلطان قلاوون ومستشفى أحمد بن طولون بالقاهرة والمستشفى السلجوقي في تركيا، وكانت مزودة بالحمامات والصيدليات لتقديم الدواء والأعشاب.

 

والمطابخ الكبيرة لتقديم الطعام الطبي الذي يصفه الأطباء للمرضى حسب مرضهم، لأن الغذاء المناسب للمرض كانوا يعتبرونه جزءا من العلاج، وكانت المستشفيات تحتوي على قاعات كبيرة للمحاضرات والدرس ولامتحان الأطباء الجدد وملحق بها مكتبة طبية ضخمة تحتوي على المخطوطات الطبية، والمشاهد لهذه المستشفيات سيجدها أشبه بالقصور الضخمة والمتسعة، بل والمنيفة، وحول المبنى الحدائق ومن بينها حديقة، تزرع فيها الأعشاب الطبية ولم يأت منتصف القرن العاشر الميلادي حتى كان في قرطبة بالأندلس وحدها خمسون مستشفى وأكثر منها في دمشق وبغداد وحلب والقاهرة والقيروان علاوة المستشفيات المتنقلة والمستشفيات الميدانية لجرحى الحرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى