مقال

نفحات إيمانية ومع الإحسان إلى الجار ” جزء 3″

نفحات إيمانية ومع الإحسان إلى الجار ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثالث مع الإحسان إلى الجار، وقد كان الجيران فقراء لا يملكون المال لشراء الأضحية، فلم يعلم صاحب الدار الفقير ماذا يقول وهو لم يملك شيء للعيد فبكي من شدة الفرحة، وتعلق نظره إلي السماء قائلا رحمك يارب، ظنا منه أنها من احد المحسنين، فرح أولاد الرجل الفقير كثير لدرجه لفتت انتباه زوجة الرجل الصالح سليطة اللسان، فنظرة من شباك المنزل وقد عقدت حواجبها، وهي تتسأل من أين لهم هؤلاء الفقراء بمثل هذا الخروف؟ ومن أين لهم بالمال؟ وقد ملئها الحقد، ثم عاد الرجل الصالح إلى المنزل متعب وقد توقع أن يجد أولاده فرحين بالكبش لكن كل شيء في المنزل كان هادئ، فخرجت عليه زوجته كالصاعقة وهي غاضبه وهي تردد.

 

تصدق أن هؤلاء الجيران يأتي لهم خروف كبير؟ كيف؟ ومن أين وهم يرقصون؟ ووجعوا رؤوسنا وكلام من هذا القبيل، ولسانها لا يتوقف والزوج مشدود ولا يعلم ماذا يقول بعد أن فهم الخطاء الذي وقع، فأخذ الرجل أنفاسه في صعوبة، بعد أن نظرت إليه الزوجة سائلة له أين الأضحية، فقال لها سوف تأتي أنا انتظرها، وصبر قليلا ثم خرج من المنزل كي يذهب إلي جاره الفقير الطيب وقال في نفسه أنه سوف يتفهم هذا الخطأ الذي حدث، فدق الباب، فخرج له جاره فعندما رآه تعلق في عنقه ودموعه تغرق وجه، وهو يشرح له أن الله كريم عوضه خيرا، وافرح أولاده وزوجته الصابرة فتبسم الجار الصالح وقال إن الله كريم وأنت تستحق كل خير أيام مباركة.

 

وخرج من عنده الرجل لا يعلم أين يذهب، فقد أدركه الخجل كيف يُفسد فرحة أسرة جاره الفقير باسترداده للخروف منهم، وأخيرا قرر تركه لهم ابتغاء الأجر من الله عز وجل دون أن يخبر جاره بالخطأ الذي حدث، وظل يسير بالطريق إلي أن وصل إلي بيت الرجل العجوز فدق الباب كي يطمئن عليه فوجد ولده، فقال له كيف والدك الآن؟ فقال ابن العجوز المريض أنت من أنقذ أبي؟ ثم أدخله، فشكره الرجل العجوز واقسم عليه أن يقبل هديته، التي كان عبارة عن عجل كبير وما عرف الرجل ماذا يقول وحاول أن يرد الرجل العجوز ولكنه أبى، فخرج الرجل الصالح ينظر إلي السماء والدموع تغرق وجه بين الفرح وبين كرم الله عليه، فقد ترك الخروف لوجه الله تعالى فعوضه بعجل كبير.

 

فسبحانك ربي ما أكرمك، فهل جزاء الإحسان غير الإحسان؟ فإن الجار منهي عن أذية جاره، ومأمور بالإحسان إليه، وفي الوقت نفسه فإن الجار مالك الدار، أو المحل له أن يتصرف في ملكه بأى وجه مباح من أوجه المنفعة، والجمع بين هذين الأصلين يكون بتقييد تصرف المالك بما يزيل الضرر المحدث عن الجار، إذا كان الضرر ليس بيسير ولا معتاد، وتقدير ذلك وتفصيله محل خلاف بين أهل العلم، ولذلك فإذا وقع النزاع والخصومة في ذلك يكون القضاء هو الفصل فيها، سواء من ناحية الترجيح والاختيار من أقوال الفقهاء، أو ناحية تقدير الضرر والنظر في طريقة رفعه، ويتأكد ذلك مع تقادم العهد، وطول المدة، وقال ابن قدامة في المغني.

 

وليس ‌للرجل ‌التصرف ‌فى ‌ملكه تصرفا يضر بجاره، نحو أن يبني فيه حماما بين الدور، أو يفتح خبازا بين العطارين، أو يجعله دكان قصارة يهز الحيطان ويخربها، أو يحفر بئرا إلى جانب بئر جاره يجتذب ماءها، وبهذا قال بعض أصحاب أبي حنيفة، وعن الإمام أحمد رواية أخرى لا يمنع، وبه قال الشافعى وبعض أصحاب أبي حنيفة، لأنه تصرف في ملكه المختص به، ولم يتعلق به حق غيره، فلم يمنع منه، كما لو طبخ في داره، أو خبز فيها، وسلموا أنه يمنع من الدق الذى يهدم الحيطان وينثرها، ولنا وقفه مع قول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار” ولأن هذا إضرار بجيرانه، فمنع منه، كالدق الذي يهز الحيطان وينثرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى