مقال

العشر الأواخر من رمضان فرصة المجتهدين وغنيمة الصائمين

جريدة الأضواء

العشر الأواخر من رمضان فرصة المجتهدين وغنيمة الصائمين

بقلم د/عصام الهادى

لقد منّ الله عز وجل على أمة حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم بجوده وكرمه ،وكان من هذا الجود والكرم خصوصية هذه الأمة المرحومة بشهر رمضان المبارك ، الذى لايعرف قدره ولا قيمته إلا العبد المؤمن المخلص الذى يبرهن على ذلك بالصيام والقيام ويحقق الغاية والهدف الحقيقى من الصيام وهو التقوى. قال جل وعلا : (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). البقرة آية١٨٣.
فهذا موسم المتسابقين وأهل الصلاح الذين يجتهدون فيه بالأعمال الصالحة تقربا إلى ربهم وطمعا فى مغفرته ورحمته، وقد فضَّل الله عز وجل هذا الشهر العظيم بالعشر الأواخر من رمضان ، وهذه فرصة المجتهدين وغنيمة الصائمين حتى يختم لهم بكل خير مع آخر ليلة فى رمضان.
هذه العشر الأواخر من رمضان التى كان نبينا صلى الله عليه وسلم يشد مئزره إذا دخلت ويحيى ليله ويوقظ أهله ويعتزل النساء للعبادة والطاعة لأنه كان يعتكف فى المسجد (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون فى المساجد). البقرة آية ١٨٧.
فليجتهد الصائم وليحمد الله تعالى على إدراكه هذه العشر، فهذه العشر لها أفضلية خاصة لأنها تحوى بين لياليها ليلة القدر التى قال الله تعالى فيها : (إنا أنزلناه فى ليلة مباركة إنا كنا منذرين. فيها يفرق كل أمر حكيم). الدخان الآيتان ٤،٣.
هذه الليلة المباركة التى أنزل الله فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة فى السماء الدنيا ،ثم نزل بعد ذلك مفصّلا ومنجّما ومفرّقا على حسب الوقائع والأحداث، وقال تعالى أيضا:(إنا أنزلناه فى ليلة القدر). الدخان آية ١.
فهى ليلة عظيمة ومباركة، ذات قدر وشرف، وذات منزلة وخير وبركة، وذات رحمة ومغفرة، قال عنها النبى الكريم صلى الله عليه وسلم:” فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم”. أحمد والبيهقى عن أبى هريرة.
ومن حكمة الله عز وجل ورحمته بالأمة أن العبادة فى هذه الليلة العظيمة أفضل من العبادة فى ألف شهر. أى مايعادل ثلاثة وثمانين عاما، وما يقدّر الله عز وجل للعباد فى هذه الليلة لمدة سنة من الأقدار كالرزق والصحة والمرض والحياة والموت والولد وغير ذلك فإنه ينقل من اللوح المحفوظ إلى صحف الملائكة ليطلعوا على ماقدّره الله عز وجل وكتبه على ابن آدم.
فهنيئا لمن أصاب ليلة القدر وسأل الله خيرها وفضلها. قال الإمام النووى رحمه الله:” ليلة القدر مختصة بهذه الأمة زادها الله شرفا فلم تكن لمن قبلها، ماأدركها داع إلا وظفر، ولا سأل فيها سائل إلا أعطى، ولا استجار فيها مستجير إلا أجير”.
وهى ليلة كلها أمن وأمان سالمة من الشيطان والعذاب( سلام هى حتى مطلع الفجر). القدر آية ٥.
يستحب فيها الدعاء والإكثار من ذلك فهى ليلة تنزل فيها الملائكة إلى الأرض أكثر مما تنزل فى بقية أيام السنة، وصيغة الدعاء التى علمنا إياها نبينا صلى الله عليه وسلم أن نقول: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى”.
فمن قام هذه الليلة وأحياها بالذكر والصلاة والدعاء والقرآن إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه. قال النبى صلى الله عليه وسلم:” من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه”. متفق عليه عن أبى هريرة.
ومن حكمة الله عز وجل أنه أخفاها حتى نتحرى ونجتهد فى العبادة فى كل الليالى العشر لعل المجتهد أن يصيبها .قال صلى الله عليه وسلم: “التمسوها فى العشرالأواخر من رمضان”. البخارى وأبو داوود عن ابن عباس، وفى رواية أخرى: ” تحرّوا ليلة القدر فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان “، وهى الليالى ذات الأرقام الفردية.
ومن العبادات العظيمة فى هذه العشر سنّة الاعتكاف، والاعتكاف له فضل عظيم فإن فيه إصابة سنّة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فقد اعتكف النبى صلى الله عليه وسلم العشر الأواخر كلها لإصابة ليلة القدر أى إدراكها بنيل ثوابها وعظيم أجرها، فكان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه ،وعلى نهج النبى سار الصحابة والتابعون والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين. قال تعالى: ( كانوا قليلا من الليل مايهجعون وبالأسحار هم يستغفرون). الذاريات آية١٨،١٧.
وعلى قدر العمل يكون الجزاء ،فمن أطال قيام الليل هوّن الله عليه وقوف يوم القيامة الذى يعادل خمسين ألف سنة. قال تعالى:( يوم يقوم الناس لرب العالمين). المطففين آية ٦.
فليجتهد العبد المسلم بالطاعة والعبادة، وليسعد بلذة العمل الصالح الذى يتقرب به إلى مولاه. قال ابن تيمية رحمه الله: “إن فى الدنيا جنة من لم يدخلها لايدخل جنة الآخرة”. إنها جنة الإيمان، جنة الطاعة، جنة الأنس بالله والشوق إلى لقائه. جمعنا الله عز وجل على طاعته ومحبته وتقواه، ورزقنا شفاعة النبى المصطفى صلى الله عليه وسلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى