مقال

الإمام الحافظ البخاري ” جزء 2″

الإمام الحافظ البخاري ” جزء 2″

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الثانى مع الإمام الحافظ البخاري، وكانت من كلمات البخاري لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة، وما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه، ومع فضله وعلمه وصحة أحاديثه، كان الإمام مسلم نفسه من تلاميذ الإمام البخارى، وثبت أن مسلما لقي البخارى يوما، فقبّل رأسه ويديه، وقال له تواضعا واعترافا بعلمه و فضله “دعنى أقبّل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المُحدثين، وطبيب الحديث فى علله ” وقال له مرة أخرى، بعد أن صحّح له البخارى إسناد حديث “لا يُبغضك إلا حاسد، وأشهد أنه ليس فى الدنيا مثلك” وكذلك كان الباقون من مشاهير أصحاب دواوين السُنة، كالترمذى وابن ماجه والنسائى والحاكم والبيهقى.

 

ومن دونهم، من تلاميذ البخارى، وصحيح البخاري هو أشهر كتب البخاري، بل هو أشهر كتب الحديث النبوي قاطبة، فقد بذل فيه صاحبه جهدا خارقا، وانتقل في تأليفه وجمعه وترتيبه وتبويبه ستة عشر عاما، هي مدة رحلته الشاقة في طلب الحديث، ويذكر البخاري السبب الذي جعله ينهض إلى هذا العمل، فيقول “كنت عند إسحاق بن راهويه، فقال لو جمعتم كتابا مختصرا لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع “الجامع الصحيح” وعدد أحاديث الكتاب 7275 حديثا، اختارها من بين ستمائة ألف حديث كانت تحت يديه لأنه كان مدققا في قبول الرواية، واشترط شروطا خاصة في رواية راوي الحديث، وهي أن يكون معاصرا لمن يروي عنه.

 

وأن يسمع الحديث منه، أي أنه اشترط الرؤية والسماع معا، هذا إلى جانب الثقة والعدالة والضبط والإتقان والعلم والورع، وكان البخاري لا يضع حديثا في كتابه إلا اغتسل قبل ذلك وصلى ركعتين، وابتدأ البخاري تأليف كتابه في المسجد الحرام والمسجد النبوي، ولم يتعجل إخراجه للناس بعد أن فرغ منه، ولكن عاود النظر فيه مرة بعد أخرى، وتعهده بالمراجعة والتنقيح، ولذلك صنفه ثلاث مرات حتى خرج على الصورة التي عليها الآن، وقد استحسن شيوخ البخاري وأقرانه من المحدثين كتابه، بعد أن عرضه عليهم، وكان منهم جهابذة الحديث، مثل أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين فشهدوا له بصحة ما فيه من الحديث، ثم تلقته الأمة بعدهم بالقبول باعتباره أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى.

 

وقد أقبل العلماء على كتاب الجامع الصحيح بالشرح والتعليق والدراسة، بل امتدت العناية به إلى العلماء من غير المسلمين حيث دُرس وترجم، وكتبت حوله عشرات الكتب، وذات يوم أصاب سهمه وتد قنطرة على نهر فكسره، فأرسل إلى صاحب القنطرة، طالبا منه السماح له بإصلاحه على نفقته، وكان صاحبها من أهل العلم، فرد علي البخارى قائلا “بل القنطرة وجميع مالى فداء لك” ففرح البخارى بسماحة الرجل وعفوه، وتصدق بمئات الدراهم، وأملى على تلاميذه فى ذلك اليوم خمسمائة حديث، وكان رضى الله عنه مستجاب الدعوة، وقد عاين بنفسه استجابة الله تعالى له فى الحال، فامتنع بعد ذلك عن طلب شىء من ربه من حاجات الدنيا، خشية أن ينقص من حسناته.

 

وكانت من صفاته العطرة كذلك أنه كان يتجنب الغيبة والنميمة تماما،حتى فى الوصف الضرورى لأحوال رواة الأحاديث، لبيان ما إذا كان الراوى صالحا للنقل عنه أم لا، وكانت وفاته ليلة عيد الفطر سنةَ ست وخمسين ومائتين، وكان ليلة السبت عند صلاة العشاء، وصلى عليه يوم العيد بعد الظهر، وكُفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وفق ما أوصى به، وحينما دفن فاحت من قبره رائحة غالية أطيب من ريح المسك، ثم دام ذلك أياما، ثم جعلت ترى سواري بيض بحذاء قبره، وشهدت جنازته أعداد هائلة من الناس، وقد فاحت من قبره رائحة زكية لم يشم أحد منهم مثلها، فكانوا يتنافسون على اقتناء بعض ترابه، واضطر تلاميذه إلى إقامة حواجز حوله، لمنع تجريف تربته ، ويُروى أيضا أن أعمدة من نور خرجت من قبره عند دفنه، ونور علمه وبركته يُنير الطريق للسالكين، إلى يوم الدين، وكان عمره يوم مات ثنتين وستين سنة، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى