مقال

نبي الله داود عليه السلام ” جزء 9″

نبي الله داود عليه السلام ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع نبي الله داود عليه السلام، وروي أن امرأة دخلت على نبى الله داود عليه السلام فقالت يا نبي الله ربك ظالم أم عادل ؟ فقال داود، ويحك يا امرأة هو العدل الذي لا يجور، فقال لها ما قصتك ؟ قالت أنا أرملة، عندي ثلاثة بنات أقوم عليهن من غزل يدي، فلما كان أمس شددت غزلي بخرقة حمراء، وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه وأطعم أطفالي، فإذا بطائر انقض علي وأخذ الخرقة والغزل وذهب، وبقيت حزينة لا أملك شيئا أطعم به أطفالي، فبينما كانت المرأة مع داود عليه السلام في الكلام إذا بالباب يطرق على داود، فأذن بالدخول، وفوجئ حينها بعشرة من التجار، كل واحد بيده مائة دينار, قالوا يا نبي الله أعطها لمستحقها فقال داود عليه السلام، ما كان سبب حملكم هذا المال ؟ قالوا يا نبي الله، كنا في مركب، فهاجت علينا الريح.

 

وأشرفنا على الغرق، فإذا بطائر يلقي علينا خرقة حمراء وفيها غزل، فسددنا به عيب المركب، فهانت علينا الريح، وانسد العيب، ونذرنا إلى الله أن يتصدق كل واحد منا بمائة دينار، وهذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت، فالتفت نبى الله داوود عليه السلام إلى المرأة، وقال لها ربي يجزيك في البر والبحر وتجعلينه ظالما ؟ وأعطاها المال، وقال أنفقيه على أطفالك، ولكن رأى العلماء فى هذا الحديث أنه لم نجد أثرا لهذه الحكاية في كتب العلماء ولم نقف لها على سند، فلا نعلم حقيقة أمرها ولا مصدرها، ويبعد تصديق مضمون هذه القصة، فإننا نستبعد أن ينتظر من على المركب أن يلقي إليهم طائر قماشا وغزلا يسدون به الخرق، فعيب المركب لا يسده الغزل، ولو كان كذلك لخلعوا بعض ثيابهم وأنقذوا أنفسهم من الغرق بها، ولم ينتظروا ذلك الطائر.

 

وذلك القماش، وهي حكاية على كل حال، تروى من غير تصديق ولا تكذيب فالغالب أنها من الإسرائيليات التي جاز لنا حكايتها مع عدم الجزم بوقوعها، وإذا كان من يحكي هذه القصة، يريد أن يقول للناس إن الله تعالى يقدّر الخير للمؤمن من حيث لا يحتسب، ومن حيث يظن العبد أن هذا شر له، فهذا المعنى صحيح، وله شواهد من الكتاب والسنة، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ” وقال الله تعالى فى سورة النساء ” فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا” وقال النبى صلى الله عليه وسلم ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” رواه مسلم.

 

فعلى المؤمن أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويؤمن أن الله تعالى لن يقدر له إلا الخير، وأما عن قصة نبى الله داود عليه الصلاة والسلام، وفيها ما ذكرته، وأن المرأة التي رآها تغتسل وقعت في قلبه، فأوصى بأن يكون زوجها في مقدمة التابوت حتى يقتل في الحرب، وغيرها من التفاصيل، وهي من الإسرائيليات التي لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي لا تليق بمقام نبي الله داود عليه الصلاة والسلام، وقد ذكر المفسرون ها هنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه، ولكن روى ابن أبي حاتم حديثا لا يصح سنده لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس، ويزيد وإن كان من الصالحين لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة، فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة، وأن يرد علمها إلى الله عز وجل.

 

فما يذكره كثير من المفسرين عن قصة داود عليه السلام في عشق امرأة قائد الجند، غير صحيح، وقد أشار الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان إلى أن ما يذكر عن نبي الله داود عليه وعلى نبينا السلام مما لا يليق بمنصبه، كله راجع إلى الإسرائيليات، فلا ثقة به، ولا معول عليه، وما جاء مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لا يصح شيء منه، وإن من الدروس العلمية أن العلم نعمة من الله تعالى على صاحبه، وهبة سنية منه وحده، فليس باستحقاق العبد ولا بقدرته ولا بذكائه، وهذا يجعل ذا العلم متواضعا، لا يرى لنفسه أي موجب للكبر، بل يوجب عليه رد العلم إلى الله تعالى، ومن الدروس العلمية هو أن الإعلان بالعلم والتحدث به، إن كان من باب الشكر والتحدث بالنعمة لا يعدّ مذموما، إنما المذموم إظهاره شهرة أو رياء أو عُجبا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى