مقال

اللحظات الأخيرة فى حياة عقبة بن نافع.

اللحظات الأخيرة فى حياة عقبة بن نافع.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

لقد حقق القائد الفاتح عقبة بن نافع غايته من حركة الفتح الإسلامي بالشمال الإفريقي، فلقد أخضع قبائل البربر وأوقع بها بأسا شديدا، حتى وصل إلى أقصى بلاد المغرب واقتحم المحيط بفرسه، وبعدها قرر عقبة العودة إلى القيروان، فلما وصل إلى طنجة أذن لمن معه من الصحابة أن يتفرقوا ويقدموا القيروان أفواجا ثقة منه بما نال من عدوه، ومال عقبة مع ثلاثمائة من أصحابه إلى مدينة تهوذة، فلما رآه الروم في قلة من أصحابه طمعوا فيه، وأغلقوا باب الصحن وشتموه وهو يدعوهم إلى الإسلام وعندها أظهر كسيلة، مكنون صدره الذي كان منطويا على الكفر والغدر والحسد، واستغل قلة جند عقبة واتفق مع الروم على الغدر بعقبة وأرسل إلى إخوانه البربر الوثنيين، وجمع جموعا كثيرة للهجوم على عقبة ومن معه، وكان أبو المهاجر في ركب عقبة ولكن عقبة قد غضب منه فقيده.

 

فلما رأى أبو مهاجر هجوم كسيلة ومن معه، أنشد أبيات أبي محجن الثقفي المشهورة كفى حزنا أن ترتدي الخيل بالقنا، وأترك مشدودا علي وثاقيا إذا قمت عنأأاني الحديد وأغلقن مصارع دوني قد تصم المناديا، ففك عقبة وثاقة وقال له “الحق بالقيروان وقم بأمر المسلمين وأنا أغتنم الشهادة” فقال أبو المهاجر”وأنا أيضا أريد الشهادة” وكسر عقبة والمسلمين أجفان سيوفهم واقتتلوا مع البربر حتى استشهد عقبة وكل من معه في أرض الزاب بتهوذة وذلك سنة ثلاثة وستون من الهجرة وكان عقبة بن نافع رضي الله عنه مثالا في العبادة والأخلاق والورع والشجاعة والحزم، والعقلية العسكرية الإستراتيجية الفذة، والقدرة الفائقة على القيادة بورع وإيمان وتقوى وتوكل تام على الله عز وجل فأحبه رجاله وأحبه أمراء المؤمنين، وكان مستجاب الدعوة، ميمون النقيبة، مظفر الراية، فلم يهزم في معركة قط.

 

فقد طبق في حروبه أحدث الأساليب العسكرية والجديدة في تكتيكات القتال مثل مبدأ المباغتة وتحشيد القوات وإقامة الحاميات وتأمين خطوط المواصلات واستخدام سلاح الاستطلاع، ونستطيع أن نقول بمنتهى الحيادية أن البطل عقبة بن نافع قد حقق أعمالا عسكرية باهرة بلغت حد الروعة والكمال وأنجز في وقت قليل ما لا يصدقه عقل عند دراسته من الناحية العسكرية البحتة، وترك باستشهاده أثرا كبيرا في نفوس البربر وأصبح من يومها يلقّب بسيدي عقبة، فهكذا تكون التربية الذاتية في الإسلام فهي دور الشاب في تربية نفسه فإننا نقصد بها ذلك الجهد الذي يبذله الشاب من خلال أعماله الفردية، أو من خلال تفاعله مع برامج عامة وجماعية لتربية نفسه فهي تتمثل في شقين، فالأول هو جهد فردي بحت يبذله الشاب لنفسه، والثاني هو جهد فردي يبذله من خلال تفاعله مع برامج عامة.

 

وعندما نطالب الشاب بأن يدرك مسؤوليته عن تربية نفسه، وذلك بأن يقوم بجهد في تربية نفسه، لإن المسلم بل كل إنسان في هذه الحياة مسؤول مسؤولية فردية حيث يقول الله عز وجل وعلا “ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى” ويقول سبحانه وتعالي ” كل نفس بما كسبت رهينة” وإنك حين تقرأ في نصوص القرآن الكريم أو في نصوص السنة النبوية تجد التأكيد الواضح على أن كل فرد مسؤول مسؤولية خاصة عن نفسه، حتى ذاك الفرد يتعرض إلى الإضلال والغواية من خلال الضغط الذي يمارسه عليه غيره، سواء أكان ضغطا نفسيا أم ضغطا اجتماعيا أيا كان مصدر هذا الضغط، فإنه لا يعفيه ذلك من المسؤولية، ونقرأ في القرآن الكريم في آيات عدة نماذج من الحوار الذي يدور يوم القيامة بين الذين اتبعوا وبين الذين اتبعوا، أو بين الذين استضعفوا والذين استكبروا.

 

فيأتي المستضعفون يطالبون أولئك المستكبرين الذين كانوا سببا في إضلالهم وغوايتهم أن يتحملوا عنهم جزءا من العذاب فيقول تعالي “وقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص” ويقول عز وجل “ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار” وقال صلى الله عليه وسلم”من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان له من الوزر مثل أوزار من تبعه غير أنه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا” وفي الحديث الآخر “ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا” فهذا فلان من الناس اتبع زميله أو صديقه أو أباه، وسار وراءه وأصبح ظلا له، حتى قاده إلى طريق الضلالة والانحراف سيأتي يوم القيامة هذا الذي أضله يحمل وزر نفسه ووزر هذا الذي أضله فيقول تعالي “ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون”

 

ولكن هذا المستضعف لن يعفيه ذلك من المسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى، ولن يغنيه أن يتلفت يمنة ويسرة، تارة يطالب صاحبه الذي أضله، وتارة يرجو منه أن يتحمل عنه جزءا من العذاب فيقول تعالي ” إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار” ومع ذلك لا يعفيه من العذاب، أليس هذا وحده دال على المسؤولية الفردية للإنسان، في أي بيئة وفي أي مجتمع وجد، وحتى لو سار وراء صاحبه وهو يظن أنه يحسن صنعا فإن ذلك لا يعفيه أمام الله عز وجل، أرأيتم هذا القطيع الهائل الذي يسير وراء مشايخ أهل الضلال والخرافة، أو وراء غيرهم من أصحاب البدع والانحراف والضلال، كم يظن أولئك أنهم يحسنون صنعا؟ وكم يظن هؤلاء أن أسيادهم وعلماءهم وأئمتهم يقودونهم إلى الطريق المستقيم الذي لا طريق سواه، إنهم ممن قال الله تعالى فيهم “قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى