مقال

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 9″

شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء التاسع مع شهر رجب وذكري الإسراء والمعراج، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يخاطبكم من خلال رحلة الطائف، ويقول لكم يا مسلمون، إن أردتم العون والنصر والفرج من الله، فسيروا على ما سرت عليه، اصبروا على البلاء والمصائب كما صبرت في رحلة الطائف، اثبتوا على الطاعة كما ثبت في رحلة الطائف، وتمسكوا بدينكم وعقيدتكم كما تمسكت في رحلة الطائف، وضحوا ولو بالشيء القليل كما ضحيت بالغالي والنفيس في رحلة الطائف، فأين المسلم الَّذي يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولقد رجع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الطائف حزينا مهموما بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، ولم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخلها في جوار بعض رجالها، خاصة أنه حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف.

 

عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة، حتى لا يجد مكانا يؤيه، أو أناسا يحمونه، فقال ابن القيم رحمه الله” فقال له زيد بن حارثه رضى الله عنه للنبى صلى الله عليه وسلم كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ ويعني قريشا، فقالالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه، فلما انتهى إلى مكة، أرسل رجلا من خزاعة إلى مُطعم بن عدى، أن أدخل في جوارك؟ فقال نعم، فدعا بنيه وقومه، وقال البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم على راحلته، فنادى يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الركن.

 

فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته ومطعم وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته، وقال ابن الأثير، وأصبح المطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فقال له أبو جهل يا مطعم، أمجير أم متابع؟ قال بل مجير، قال قد أجرنا من أجرت، ولقد ضرب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل والوفاء لصاحبه، فبالرغم من أن المطعم بن عدي مات كافرا، وأن قبوله لإجارة النبي صلى الله عليه وسلم كانت لها جذور تاريخية وقبلية وهي من عاداتهم، إذ كانت العرب في الجاهلية يمنعون من حالفهم أو استجار بهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظل حافظا لجميل المطعم بن عدي وموقفه معه حتى بعد موته على الكفر قبل غزوة بدر، فلما أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين.

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني أى طلب الشفاعة في هؤلاء النتنى لتركتهم له” رواه البخاري، وفي رواية أبي داود يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” لأطلقتهم له” وقال الخطابي في الحديث إِطلاق الأسير والمن عليه من غير فداء ” وقال ابن حجر في الفتح ” بأن ذلك مكافأة له على يد كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهي إما ما وقع من المطعم حين رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف ودخل في جوار المطعم بن عدي، أو كونه من أشد من قام في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب ” وإذا تحدثنا عن الإسراء والمعراج، فإن الإسراء هي تلك الرحلة الأرضية وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تم بقدرة الله تعالى.

 

من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، وأما المعراج فهو الرحلة السماوية والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة وقد اختلف العلماء حول زمنها بالتحديد، وكما أثير حول الإسراء والمعراج جدل طويل وتساؤلات عدة، فيما إذا كانت قد تمت هذه الرحلة بالروح والجسد، أم بالروح فقط؟ ومتى وكيف تمت؟ وعلى الرغم من أن الإسراء والمعراج حدثا في نفس الليلة، فإن موضعي ورودهما في القرآن الكريم لم يترادفا، بل ذكر الإسراء أولا في سورة الإسراء، وتأخر الحديث عن المعراج إلى سورة النجم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى