مقال

الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك “جزء 4”

الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك “جزء 4”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الرابع ومع الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، فلما رجع وجد أمه قد سمته هشاما على اسم جده فلم يغير، وقيل عنه أنه كان أبيض أحول سمينا طويلا أكلف يخضب بالسواد، وكان جميلا وكان يجمع المال ويوصف بالبخل وكان حازما عاقلا، صاحب سياسة حسنة وكان يكره الدماء، وكان رجل بني أمية حزما ورأيا، وكان هشام خشنا فظا غليظا يجمع الأموال ويعمر الأرض ويستجيد الخيل وأقام الحلبة فاجتمع له فيها من خيله وغيره أربعة آلاف فرس، ولم يعرف ذلك لأحد غيره في جاهلية ولا إسلام واستجد الكسى والفرس وعدد الحرب ولأمتها واصطنع الرجال وقوى الثغور واتخذ القنى والبرك بطريق مكة، وفي أيامه عمل الخز والقطف الخز فسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه ومنعوا ما في أيديهم فقل الفضل وانقطع الرفد.

 

ولم ير زمان أصعب من زمانه، وكان فيه حلم وأناة وقيل أنه شتم ذات مرة رجلا من الأشراف، فقال له أتشتمني وأنت خليفة الله في الأرض؟ فاستحيا وقال اقتص مني بدلها، فقال إذن أكون سفيها مثلك، قال فخذ عوضا، قال لا أفعل، قال فاتركها لله، قال هي لله ثم لك، فقال هشام عند ذلك والله لا أعود إلى مثلها، وكان أخو هشام يزيد بن عبد الملك قد عهد بالأمر من بعده إلى أخيه هشام بن عبد الملك فلما مات يزيد كان هشام مقيما بحمص فجاءه البريد بالعصا والخاتم وسلم عليه بالخلافة فأقبل حتى أتى دمشق وتمت له البيعة، وكان عمره حينئذ أربعا وثلاثين سنة فقام بأمر الخلافة أتم قيام، ثم مات هشام بن عبد الملك بالرصافة في ربيع الآخر، واعتبرت وفاته نهاية عهد الخلفاء الأمويين الأقوياء، وقد عده المؤرخون آخر من توفي من الخلفاء الأمويين الأقوياء.

 

 

وقيل أنه كان للخليفه هشام بن عبد الملك عشرة من الأولاد الذكور وبعض البنات، ويختلف المؤرخون في عددهم، فيذكر ابن حزم أن عددهم كان ستة عشر ولدا وبعض البنات، وقد حاول هشام أن يُحسن تربية أولاده فاختار لهم محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري المحدث لتأديبهم، واختار هشام لأولاده أيضا، من يعلمهم اللغة والشعر، وكان يحضر أحيانا مجالس مؤدبيهم، وكان يعطي مؤدب ولده ألف درهم كل شهر، إلى جانب الكسوة والجوائز، وكان يوصي مؤدب ابنه أن يعلمه القرآن، ويروه الأشعار، وأيام الناس، ويأخذه بعلم الفرائض والسنن، وقيل أوصاه أن يأخذ ولده بكتاب الله ويقريه في كل يوم عشر آيات ليحفظ القرآن، ويروه من الشعر أحسنه، ويتخلل به مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وطرفا من الحلال والحرام والخطب، ويصله بأهل الفقه والدين، وبالرغم من ذلك فقد أساء بعض أبنائه السيرة، ولم يشتهر أحد منهم بعد سقوط الدولة الأموية عدا حفيده عبد الرحمن بن معاوية بن هشام، مؤسس الدولة الأموية بالأندلس، وقيل أن هشام شتم ابنه محمد، لقيام أحد عبيده بضرب طفل نصراني، وكان قد اعتدى على أحد أولاد محمد، كما منع أحد أولاده من ركوب الدابة سنة، عقابا له على عدم حضوره لصلاة الجمعة بحُجة موت دابته، وأنه ليس باستطاعته أن يحضر إلى المسجد ماشيا، وقد كان هشام يهتم بتصرفات أولاده ويرغب لهم أن تكون سمعتهم جيدة بين الناس، وتصلح أحوالهم مع ربهم ودينهم، ويتضح ذلك من اختياره لمؤدبهم، وتوليتهم مواسم الحج، وإجبارهم على حضور الجمعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى