مقال

الإحسان ” جزء 1″

الإحسان ” جزء 1″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

 

عندما نتكلم عن الإحسان فيجب علينا أن نتكلم عنه ونوضحه كما وضحه وبينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل، فقيل يا رسول الله ما الإحسان فقال صلي الله عليه وسلم ” الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك” متفق عليه، وكما يجب أن نعلم بأن فضل الاحسان فضل عظيم، ومقام الإحسان مقام رفيع، فهو غاية مراد الطالبين، ومنتهى قصد السالكين، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه سبحانه وتعالي يراك، والإحسان خلق جميل، فهو دليل على النبل، واعتراف بالفضل، وعرفان للجميل، وقيام بالواجب، واحترام للمنعم، وينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن السخاء، وبالإحسان يشُترى الحب، ويُخطب الودّ، وتكسب النفوس، ويُهيمن على القلوب، وتستعبد الأفئدة، وإن الإحسان هو عطاء بلا حدود.

 

وبذل بلا تردد، وإنعام دونما منّ، وإكرام لا يلحقه أذى، فالمحسن لا يؤذي أحدا، فإن آذاه أحد عفا وصبر وصفح وغفر، وإذا عامل الناس عاملهم بالفضل والإحسان، فيعطيهم وإن منعوه، ويصلهم وإن قطعوه، ويمنّ عليهم وإن حرموه، وإنما كان كذلك لأنه كان بالله غنيا، وبه راضيا، ومنه قريبا، ولديه حبيبا، فالإحسان ذروة الأعمال، وهو أن تقدم الفعل من غير عوض سابق، بل يساء إليك ولا يسعك إلا أن تقدم الإحسان، فكل إحسان يفعله العبد حتى فيمن لا يستحقون لابد أن يكافئه عليه الله تعالى، فسبحانه القائل العظيم ” هل جزاء الإحسان إلا الإحسان” فاصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن صادف أهله فهو أهله، وإن لم يصادف أهله فأنت أهله، فمن أحسن مع الله أحسن مع الناس، ووجد في قلبه سهولة الإحسان إليهم.

 

ومن صور الإحسان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما عاد عليه الصلاة والسلام من الطائف بعد أن آذوه وطردوه كما فعل به أهل مكة طلب من يأويه من أهل مكة فيمنعه من أذى قريش فأرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي يقول له أن أدخل في جوارك ؟ فقال نعم، ودعا بنيه وقومه فقال البسوا السلاح وكونوا عند أركان البيت فإني قد أجرت محمدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم بن عدي على راحلته فنادى يا معشر قريش إني قد أجرت محمدا، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الركن فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته والمطعم بن عدي وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته، وهذا الموقف وهذا الإحسان من رجل كافر.

 

لم يغب عنه عليه الصلاة والسلام، فلما كانت وقعة بدر ووقع رجال قريش في الأسر فقد تم أسر سبعون منهم ما أعظمها من غنيمة ونصر فقد كلم عليه الصلاة والسلام الصحابة في الأسرى فمن قائل بقتلهم كعمر ومن قائل بفديتهم كابي بكر، ولكنه عليه الصلاة والسلام قال وقد مال للفداء لو كان المطعم بن عدي حيا وكلمني في هؤلاء لأطلقتهم له، وقد كان المطعم بن عدي مات قبل بدر وعمره فوق التسعين عاما، فهو يطلقهم لذلك الكافر من غير مقابل جزاء ذلك الموقف وذلك الإحسان، واعلموا أن أعظم ثمرات الإحسان قوله تعالى ” للذين أحسنوا الحسني وزيادة” والحُسنى أي البالغة الحسن في كل شيء، من جهة الكمال والجمال، وهي الجنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة.

 

بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة، ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك الإحسان من المناسبة، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه، جزاهم على ذلك العمل النظر إليه عياناً في الآخرة، وهناك قصص الإحسان التي نستخلص منها الدروس والعبر فمعنا قصة هذا العجوز الحكيم، وهى انه قد جلس عجوز حكيم على ضفة نهر وفجأة لمح قط وقع في الماء، وأخذ القط يتخبّط محاولا أن ينقذ نفسه من الغرق، وقد قرر الرجل أن ينقذه فمدّ له يده فخربشه القط فسحب الرجل يده صارخا من شدة الألم، ولكن لم تمضي سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه، فخربشه القط، فسحب يده مرة أخرى صارخا من شدة الألم، وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة، وعلى مقربة منه كان يجلس رجل آخر ويراقب ما يحدث فصرخ الرجل أيها الحكيم، لم تتعظ من المرة الأولى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى