مقال

سيد بني سلمة الأنصاري. 

سيد بني سلمة الأنصاري.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

كان صحابة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأجيال على الأطلاق بما توافر فيهم من الصفات والأخلاق الحسنة، وبما بذلوه في سبيل الدعوة الإسلامية، وقد تجسدت في شخصيات هذا الجيل العظيم أروع المعاني، وأنبل القيم، فقد كانوا بحق عبادا للرحمن في صلاتهم، ونسكهم، ومحياهم، وجهادهم، وتعاملهم مع بعضهم البعض، وقد انطبقت عليهم جميع الصفات والأخلاق الحسنة التي ذكرها الله سبحانه وتعالي في كتابه وتحديدا في سورة المؤمنون، وسورة الرحمن ، ومعنا صحابى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألا وهو، الصحاب الجليل عمرو بن الجموح وهو صهر عبد الله بن عمرو بن حرام، إذ كان زوج لأخته هند بنت عمرو، وكان ابن جموح هو أحد زعماء المدينة وسيد من سادات بني سلمة.

 

سبقه ابنه معاذ بن عمرو بن الجموح للإسلام فكان أحد السبعين في بيعة العقبة الثانية، وكان له الفضل بإسلام أبيه، وكان عمرو بن الجموح رضى الله عنه سيدا من سادات بني سلمة، وشريفا من أشرافهم، وإنه الصحابي الجليل والسيد المقدام الجواد، الشهيد المبارك عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن سلمه الأنصاري الخزرجي الذي شهد العقبة، وأراد الخروج إلى بدر فمنعه أولاده، ولعله نال أجرها بصدق النية والعزم، وقد حضر أحدا واستشهد فيها، ودفن في قبر واحد هو وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله، وذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كانا صهرين متحابين متصافيين وزوجته رضي الله عنها هي السيدة هند بنت عمرو عمة جابر بن عبد الله.

 

وقد أسلمت قبله وأخفت إسلامها عنه، وله من البنون أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد وهم، خلاد وأبو أيمن ومعوذ ومعاذ، وقد قال جرير بن حازم عن ابن اسحاق، أن معاذ بن عمرو بن الجموح، قد شارك ابنا عفراء في قتل أبي جهل، وقد كان لهم ر ضي الله عنهم حنكة وحيلة جميلة في قضية إسلامه تدل على حبهم لأبيهم ورغبتهم في إسلامه وحرصهم على دعوته، وتنفيره من وثنيته وجاهليته، وقيل أنه كان عمرو بن الجموح رضى الله عنه فى الجاهليه قد اصطنع صنما أقامه في داره وأسماه “منافا” فاتفق ولده معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل على أن يجعلا من هذا الصنم سُخرية ولعب، فكانا يدلجان عليه ليلا فيحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيها فضلاتهم.

 

ويصبح عمرو بن الجموح فلا يجد “منافا” في مكانه فيبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة، فيثور ويقول ويلكم، من عدا على آلهتنا هذه الليلة؟ ثم يقوم بغسله وتطهيره وتطيبه، فإذا جاء الليل صنع الصديقان من جديد بالصنم مثل ما صنعا من قبل، حتى إذا سئم عمرو بن الجموح جاء بسيفه ووضعه في عنق “مناف” وقال له إن كان فيك خير فدافع عن نفسك، فلما أصبح لم يجده مكانه بل وجده بالحفرة نفسها، ولم يكن وحيدا بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق، وبينما هو في غضبه وأسفه، اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين سبقوا إلى الإسلام، وراحوا وهم يشيرون إلى الصنم يخاطبون عقل عمرو بن الجموح، محدثينه عن الإله الحق الذي ليس كمثله شيء.

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين، وعن الإسلام الذي جاء بالنور، وفي لحظات ذهب عمرو بن الجموح فطهر ثوبه وبدنه، وتطيب وتألق، وذهب ليبايع خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وأسلم عمرو بن الجموح رضى الله عنه قلبه وحياته لله رب العالمين، وعلى الرغم من أنه مفطور على الجود والكرم، فإن الإسلام زاد من جوده وعطائه في خدمة الدين والأصحاب، فكان عمرو بن الجموح رضي الله عنه قبل إسلامه زعيما من زعماء يثرب، كريما جوادا، بل من خيرة أجوادها، وهذا ما شهد له به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوصفه بأنه سيد بني سلمة، فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من بني سلمة وهم قبيلة عمرو، فقال “من سيِّدكم يا بني سلمة ؟” قالوا الجد بن قيس، على بخل فيه.

 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وأي داء أدوى من البخل، بل سيدكم الجعد الأبيض عمرو بن الجموح ” فكانت هذه الشهادة تكريما لابن الجموح، ومثلما كان عمرو بن الجموح رضى الله عنه يجود بماله أراد أن يجود بروحه في سبيل الله، ولكن كيف ذلك وفي ساقه عرجا شديدا مما يجعله غير قادر على الاشتراك في قتال، وله أربعة أولاد مسلمون، وكلهم كالأسود كانوا يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو، وحاول عمرو بن الجموح رضى الله عنه الخروج في غزوة بدر فتوسل أبناؤه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كي يقنعه بعدم الخروج، وبالفعل أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه معفي من الجهاد لعجزه الماثل بعرجه، وعلى الرغم من إلحاحه ورجائه، أمره صلى الله عليه وسلم بالبقاء في المدينة.

 

وكان عمرو بن الجموح يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا تزوج، وعن أبي قتادة أنه حضر ذلك قال أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن قاتلت حتى أقتل في سبيل الله تراني أمشي برجلي هذه في الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعم ” وكانت عرجاء، فقتل يوم أحد هو وابن أخيه فمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به فقال “فإني أراك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة” وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما ومولاهما فجعلوا في قبر واحد، وعن سعيد بن مسروق، عن أبي الضحى أن عمرو بن الجموح قال لبنيه أنتم منعتموني الجنة يوم بدر والله لئن بقيت، لأدخلن الجنة، فلما كان يوم أحد، قال عمر لم يكن لي هم غيره، فطلبته، فإذا هو في الرعيل الأول.

 

وقالت امرأته هند أخت عبد الله بن عمرو بن حرام كأني أنظر إليه قد أخذ درقته وهو يقول اللهم لا تردني، فقتل هو وابنه خلاد، وروى ثابت البناني عن عكرمة قال قدم مصعب بن عمير رضى الله عنه المدينة يعلم الناس، فبعث إليه عمرو بن الجموح ما هذا الذي جئتموني؟ قالوا إن شئت جئناك، فأسمعناك القرآن، قال نعم، فقرأ صدرا من سورة يوسف، وهناك كرامة عظيمة جميلة للصحابي الجليل عمرو بن الجموح رضي الله عنه، فعن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أنه بلغه أن عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين ثم السلميين، كانا قد حفر السيل قبرهما، وكان قبرهما مما يلي السيل وكان قبرهما واحدا، وهما ممن استشهد يوم أحد، فحفر عنهما ليغيرا من مكانهما، فوجدا لم يتغيرا، كأنهما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه.

 

فدفن وهو كذلك، فأميطت يده عن جرحه ثم أرسلت، فرجعت كما كانت، وكان بين أحد وبين يوم حُفر عنهما ست وأربعون سنة، فيا أيها الناس تعلقوا بالله ولا تتعلقوا بأحد سواه، فهو النافع الضار لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع هو الذي بيده ملكوت كل شيء وهو الذي يجير ولا يجار عليه، من استهداه هداه، ومن توكل عليه كفاه، ومن استنصره نصره، ومن لاذ بحماه حماه، ومن سأله أعطاه لا يتعاظمه شيء أعطاه، ولا يعجزه شيء في أرضه ولا في سماه، كونوا له كما أراد يعطيكم فوق ما تأملون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى