مقال

الدكرورى يكتب عن الإمام البيهقي الخرساني.

الدكرورى يكتب عن الإمام البيهقي الخرساني.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

الإمام المحدث المتقن هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن عبد الله بن موسى البيهقي الخرساني، وقد وُلد الإمام البيهقي بخسروجرد، وهي قرية من قرى بيهق بنيسابور في شهر شعبان عام ثلاثة مائة وأربعة وثمانين من الهجره، فقد كانت نيسابور تزخر بحركة علمية واسعة، وقد فتحت أيام الخليفة الرشاد الثالث عثمان بن عفان، فهو الإمام المحدث المتقن صاحب التصانيف الجليلة والآثار المنيرة تتلمذ على جهابذة عصره وعلماء وقته وشهد له العلماء بالتقدم، وقيل أنه ولو شاء البيهقي أن يعمل لنفسه مذهبا يجتهد فيه لكان قادرا على ذلك، لسعة علومه، ومعرفته بالاختلاف، وقد نشأ الإمام البيهقي نشأة علمية مبكرة في نيسابور، وقد ساهمت هذه النشأة العلمية المبكرة في تكوين البيهقي وإنضاجه، وتزامن معها تلمذته على كبار رجال عصره من المحدثين والفقهاء.

 

الذين كانت تمتلأ بهم نيسابور، وطلب البيهقي العلم صغيرا وابتدأ سماع الحديث وهو ابن خمس عشرة سنة، ثم رحل إلى نيسابور وسمع علماءها، ورواة الحديث فيها، وواتاه الحظ بالسماع من إمام الحديث أبي عبد الله محمد النيسابوري المعروف بالحاكم صاحب كتاب المستدرك، فأفاد منه الكثير، ورحل إلى أقطار كثيرة، فسمع في بلاد خراسان والعراق والحجاز والجبال، وسائر البلاد التي انتهى إليها، وتلقى علوما كثيرة، وزاد عدد شيوخه على المائة، ولدى عودته من رحلته انقطع في قريته مقبلا على التأليف، وبعد أن صار فارس ميدانه، وأحذق المحدثين في زمانه وأسرعهم فهما، وأخرج مؤلفات كبيرة وكثيرة لم يُسبق إلى كثير منها، وكان ن البيهقي أوحد زمانه وأحد أئمة المسلمين وكان للبيهقي مراسلات علمية مع بعض أئمة عصره لقيت القبول.

 

ومراسلة مع بعض أولي الأمر في إبطال الحملة على أهل السنة والجماعة، وقد بورك لأبي بكر في علمه، فقام بالتدريس، وصنف التصانيف النافعة، وأحسن التصرف في علومه ومروياته فجوّد ترتيب كتبه وتوسع فيها بما لا يوجد عند غيره، وكان يلتزم الصحة فيما يورد فيها من الأحاديث وكانت كتبه عظيمة القدر عند العلماء لسعة المعارف والرواية فيها، وكان له السبق في أشياء نافعة، لا يلحق إلى مثلها، وجُلبت كتبه إلى العراق والشام والنواحي، وهي كثيرة تزيد على خمسة وعشرين كتابا، وكان الإمام البيهقي على سيرة العلماء الربانيين، يتصف بالزهد والتقليل من الدنيا والقنوع باليسير، كثير العبادة والورع، قانتا لله عز وجل، وكما كان يتصف بما وصف به أهل نيسابور عموما من أنهم كانوا أهل رئاسة، وسياسة، وحسن ملكة.

 

ووضع الأشياء في مواضعها وهي صفات جليلة تتصل بنضج العقل، وصفاء القريحة، وقوة الفكر والتدبير، وقد اتخذ الإمام البيهقي مدينة بيهق منطلقًا لرحلاته العلمية الواسعة في المدن المتاخمة لها أولا، وهذه الرحلات هي التي ساهمت في تكوينه العلمي، وأثرت حصيلته من المادة العلمية والفقهية، وعلى رأسها المرويات الحديثية، ولقد تبوأ الإمام البيهقي قبل وفاته بعشرين عاما مكانة علمية مرموقة، فكان يعتبر إمام المحدثين، ورأس الحفاظ في ذلك الوقت، وقد وصفه الإمام الجويني قائلا “ما من فقيه شافعي إلا وللشافعي عليه منّة إلا أبا بكر البيهقي، فإن المنة له على الشافعي لتصانيفه في نصرة مذهبه” وقد وصفه الإمام عبد الغافر الفارسي في تاريخه “واحد زمانه في الحفظ، وفرد أقرانه في الإتقان والضبط” ويقول الفقيه محمد بن عبد العزيز المروزي.

 

رأيت في المنام كأن تابوتا علا في السماء يعلوه نور، فقلت ما هذا ؟ قال هذه تصنيفات أحمد البيهقي، وقال الإمام السبكي ” فقد كان الإمام البيهقي رحمه الله عالما عاملا، ذا سعة وإحاطة بالعلوم الشرعية فإنه أنفق شطر عمره في جمعها وتحصيلها، وأنفق الشطر الآخر منه في تنظيمها وتصنيفها، فأخرج للناس هذه المصنفات الجليلة، والتي بلغت الخمسين مصنفا في فنون لم يسبق إليها” ولقد كان شيوخ البيهقي من الكثرة بمكان، ويرجع ذلك إلى تبكير الإمام البيهقي في طلب العلم، وقيامه بالتطواف على العلماء، وهو في الخامسة عشرة من عمره وقد تحدث السبكي عن شيوخ البيهقي، فقال “أكثر من مائة شيخ” ولا شك أن تكوين الرجال لا يقل أهمية عن تأليف التصانيف، وتسويد الصحف، وتلاميذ البيهقي امتداد لعلمه ومنهجه، وأثر بارز من آثاره العلمية.

 

والإمام البيهقي بما تبوأ من المكانة الجليلة في الحديث، والفقه، والأصول، والعقائد صار قبلة للطلاب، وهدفا لرحلاتهم، واهتماماتهم ليظفروا بالسماع منه، والتلقي عنه، فإن البيهقي رحمه الله كان محدث زمانه، وشيخ السنة في وقته، وأوحد زمانه في الحفظ والإتقان وقد عمّر البيهقي طويلا، مما مكن عددا كبيرا من طلاب العلم وأهله للاستفادة منه، وإن كتاب السنن الكبرى، هو من أعظم مؤلفات البيهقي، والذي احتل مكانة مرموقة بين المصنفات في الحديث الشريف، فقد أقبل العديد من العلماء الكبار على سماع هذا الكتاب وإسماعه لأهل العلم، وقد أثنى العلماء عليه، وقد جعله ابن الصلاح ، سادس الكتب الستة في القيمة والأهمية بعد البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وكتاب الترمذي، وقال الإمام السبكي مشيدا بسنن البيهقي.

 

أما السنن الكبير فما صنف في علم الحديث مثله تهذيبا، وترتيبا، وجودة، وهو مصدر هام من مصادر رواية الحديث، وهو مطبوع في عشرة مجلدات، وليس لأحد مثله، وعليه تعليق لابن التركماني سماه ” الجوهر النقي ” وبعد حياة حافلة بالتطواف والطلب في جمع العلم وتحصيله، والهمة في بثه وتعليمه، والاعتكاف على تدوينه وتصنيفه، أصاب البيهقي المرض في رحلته الأخيرة إلى نيسابور، وحضرته المنية، فتوفي في العاشر من جمادى الأولى سنة ربعمائة وثماني وخمسين من الهجرة، وله من العمر أربع وسبعون سنة، فغسلوه وكفنوه، وعملوا له تابوتا، ثم نقلوه إلى مدينة بيهق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى