مقال

سعد بن معاذ الأنصاري ” جزء 2″

سعد بن معاذ الأنصاري ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع سعد بن معاذ الأنصاري، فسُرّ النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله، ونشط للخروج فنعم المستشير، ونعم المستشار، وفي غزوة أحد، وعندما تشتت المسلمون تحت وقع الباغتة الداهمة التي فاجأهم بها جيش المشركين، لم تكن العين لتخطئ مكان سعد بن معاذ، ولقد سمّر قدميه في الأرض بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذود عنه ويدافع في استبسال هو له أهل وبه جدير، وجاءت غزوة الخندق، لتتجلى رجولة سعد وبطولته تجليا باهرا ومجيدا، وغزوة الخندق هذه، آية بينة على المكايدة المريرة الغادرة، التي كان المسلمون يطاردون بها في غير هوادة، من خصوم لا يعرفون في خصومتهم عدلا ولا ذمّة، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحيون بالمدينة في سلام يعبدون ربهم، ويتواصون بطاعته.

 

ويرجون أن تكف قريش عن إغارتها وحروبها إذا فريق من زعماء اليهود يخرجون خلسة إلى مكة محرّضين قريشا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وباذلين لها الوعود والعهود أن يقفوا بجانب القرشيين إذا هم خرجوا لقتال المسلمين واتفقوا مع المشركين فعلا، ووضعوا معا خطة القتال والغزو، وفي طريقهم وهم راجعون إلى المدينة حرّضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب، هي قبيلة غطفان واتفقوا مع زعمائها على الانضمام لجيش قريش، ووضعت خطة الحرب، ووزعت أدوارها، فقريش وغطفان يهاجمان المدينة بجيش عرمرم كبير، واليهود يقومون بدور تخريبي داخل المدينة وحولها في الوقت الذي يباغتها فيه الجيش المهاجم ولما علم النبي الكريم صلي الله عليه وسلم بالمؤامرة الغادرة راح يعدّ لها العدّة ، فأمر بحفر خندق حول المدينة ليعوق زحف المهاجمين.

 

وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة إلى كعب بن أسد زعيم يهود بني قريظة، ليتبيّنا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود بني قريظة عهود ومواثيق، فلما التقى مبعوثا الرسول صلي الله عليه وسلم بزعيم بني قريظة فوجئا يقول لكم ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد، فعز على الرسول صلي الله عليه وسلم أن يتعرض أهل المدينة لهذا الغزو المدمدم والحصار المنهك، ففكر في أن يعزل غطفان عن قريش، فينقض الجيش المهاجم بنصف عدده، ونصف قوته وراح بالفعل يفاوض زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الحرب ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة، ورضي قادة غطفان ولم يبقي إلا أن يسجل الاتفاق في وثيقة ممهورة، وعند هذا المدى من المحاولة وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر،

 

فدعا إليه أصحابه رضي الله عنهم ليشاورهم واهتم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام اهتماما خاصا برأي سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فهما زعيما المدينة وهما بهذا أصحاب حق أول في مناقشة هذا الأمر، واختيار موقف تجاهه، فقصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان، وأنبأهما أنه إنما لجأ إلى هذه المحاولة، رغبة منه في أن يبعد عن المدينة وأهلها هذا الهجوم الخطير والحصار الرهيب، وتقدم السعدان إلى رسول الله بهذا السؤال يا رسول الله ، أهذا رأي تختاره، أم وحي أمرك الله به؟ فقال الرسول “بل أمر أختاره لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة وكالبوكم من كل جانب” وفي النهاية قد أصيب سعد بن معاذ رضي الله عنه يوم الخندق حينما رماه أحد رجالاتها فأصابه في الأكحل.

 

والأكحل هو عرق في وسط الذراع إذا انقطع لم يرقأ الدم، فجعل النبي الكريم صلي الله عليه وسلم له خيمة ليعوده من قريب، وحينما انتهت غزوة الخندق بفرار معسكر المشركين وضع النبي صلي الله عليه وسلم سلاحه، فجاءه جبريل يبلغه أمر الله بالخروج إلى بني قريظة لمقاتلتهم، فحاصرهم النبي الكريم صلي الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه، ثم جعل الحكم فيهم لسعد بن معاذ الذي أمر بأن يقتل رجالهم، وتسبى ذريتهم ونساءهم، وتقسم أموالهم، فقال له النبي لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات، ثم دعا سعد بن معاذ ربه دعاء جاء فيه اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيء فأبقني له، وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فأفجر هذا الجرح واجعل موتي فيه، فتفجر جرح سعد فمات منه رضي الله عنه وأرضاه.

 

وقد ثبت في الحديث الصحيح المتواتر عن النبي صلي الله عليه وسلم اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه، وقد جاء في بعض الأثر أنّ سبب اهتزاز عرش الرحمن إنما كان فرحا من رب العزة بلقاء سعد، وأما الكيفية فلا يسأل عنها، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوي أن اهتزاز عرش الرحمن ليس فيه نقيصة في حق الله تعالى، سواء كان سبب اهتزازه فرح العرش بمقدم روح سعد، أو كان بسبب فرح الرحمن للقاء سعد، وإن اهتزاز العرش ليس من صفات الله تعالى وإنما من صفات العرش المخلوق، وقال البغوي الأولى إجراء هذا الحديث على ظاهره، ولا ينكر اهتزاز الأشياء والجمادات كما اهتز جبل أحد حينما وقف عليه النبي صلي الله عليه وسلم ومعه ابو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم أجمعين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى