مقال

شيخ قريش المطعم بن عدي.

شيخ قريش المطعم بن عدي.

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف بن قصي هو شيخ قريش في زمانه، وهو رجل من قريش من بني عبد مناف، وهو والد الصحابي جبير بن مطعم، وقد عاش في زمن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه توفي ولم يعتنق الإسلام، ورغم ذلك فإن له في نفوس المسلمين احتراما كبيرا، لمواقفه الداعمة للمسلمين في بداية الدعوة الإسلاميه، فقد كان أحد الستة الذين نقضوا الصحيفة المقاطعة لبني هاشم التي تم كتابتها وعُلقت في الكعبة، وهو الذي أجار النبي صلي الله عليه وسلم لدى رجوعه من الطائف عندما رفضت قريش دخوله إلى مكة، ومن مناقبه أيضا المحمودة للإسلام أنه عندما كشفت قريش أمر بيعة العقبة الثانية وقامت بمطاردة المبايعين بعد آدائهم للحج، وتمكنت فعلا من القبض على سعد بن عبادة، وربطوه ودخلوا به إلى مكة.

 

لكن المطعم بن عدي ومعه الحارث بن حرب خلصاه من أيدي القرشيين لأنه كان يجير قوافلهما المارة بالمدينة فرجع لم يمسسه سوء، وفي شهر شوال من السنة العاشرة بعد بدء نزول الوحي خرج النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، إلى الطائف، راجيا أن تكون أحسن حالا من مكة، وأن يجد من أهلها نصرة لله ورسوله، فخرج على قدميه الشريفتين ذهابا وإيابا، والطائف تبعد عن مكة أكثر من مائة كيلو مترا، وكان في صحبته زيد بن حارثة رضي الله عنه، ولم يترك النبي صلى الله عليه وسلم، أحدا إلا ودعاه إلى الإسلام، فتطاولوا‏ عليه وطردوه، ثم أغروا به سفهاءهم فلاحقوه وهو يخرج من الطائف يسبّونه، ويرمونه بالحجارة، حتى دميت قدماه، وحاول زيد بن حارثة رضي الله عنه، أن يحمى النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، حتى أصيب في رأسه.

 

ولم يزل السفهاء يرمونهما بالحجارة حتى لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد رضي الله عنه، إلى بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة على بعد ثلاثة أميال من الطائف، فرجعوا عنهما، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف حزينا مهموما بسبب إعراض أهلها عن دعوته، وما ألحقوه به من أذى، ولم يشأ أن يدخل مكة كما غادرها، إنما فضل أن يدخلها في جوار بعض رجالها، خاصة أنه حين خرج صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عزمت قريش على منعه من العودة إلى مكة، حتى لا يجد مكانا يؤيه، أو أناسا يحمونه، فقال له غلامه زيد بن حارثة كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ ويعني قريشا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم “يا زيد، إن الله جاعل لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه” فلما انتهى إلى مكة.

 

أرسل رجلا من خزاعة إلى مطعم بن عدي أن أدخل في جوارك؟ فقال نعم، فدعا بنيه وقومه، وقال البسوا السلاح، وكونوا عند أركان البيت، فإني قد أجرت محمدا، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه زيد بن حارثة حتى انتهى إلى المسجد الحرام، فقام المطعم على راحلته، فنادى يا معشر قريش، إني قد أجرت محمدا، فلا يهجه أحد منكم، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى الركن، فاستلمه، وصلى ركعتين، وانصرف إلى بيته ومطعم وولده محدقون به بالسلاح حتى دخل بيته، وأصبح المطعم قد لبس سلاحه هو وبنوه وبنو أخيه فدخلوا المسجد، فقال له أبو جهل أمجير أم متابع؟ قال بل مجير، قال قد أجرنا من أجرت ” ولقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حفظ الجميل والوفاء لصاحبه، فبالرغم من أن المطعم بن عدي مات كافرا.

 

وأن قبوله لإجارة النبي صلى الله عليه وسلم كانت لها جذور تاريخية وقبلية وهي من عاداتهم، إذ كانت العرب في الجاهلية يمنعون مَن حالفهم أو استجار بهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ظل حافظا لجميل المطعم بن عدي وموقفه معه حتى بعد موته على الكفر قبل غزوة بدر، فلما أسر المسلمون في غزوة بدر سبعين من المشركين، قال النبى صلى الله عليه وسلم ” لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني أى طلب الشفاعة، في هؤلاء النتنى لتركتهم له ” رواه البخاري، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن المطعم بن عدى فعل ذلك مكافأة له على يد كانت له عند النبي صلى الله عليه وسلم، والمطعم فعل هذا على عادة العرب في النخوة، فإنهم كانوا يحفظون هذه النخوة فيما بينهم.

 

ويحفظون لأهل الجميل جميلهم ولو بعد حين، ولعل المطعم كان يعلم لما لآباء النبي صلى الله عليه وسلم من يد سابقة على آبائه، وتوفى المطعم في مكة قبل غزوة بدر وله نيف وتسعون سنة، والنيف من واحد إلى ثلاثه .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى