مقال

القائد الفاتح موسي بن نصير ” جزء 1″

القائد الفاتح موسي بن نصير ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الصحابي الجليل الذي أراد في يوم من الأيام قتل رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، ليتحول بعد إسلامه إلى القائد الأعلى للقوات الإسلامية المقاتلة ؟ ولكن لماذا أصبحت خطط هذا القائد الإسلامي العظيم تدرّس في جامعات الغرب العسكرية إلى يومنا هذا؟ إنه القائد الفاتح موسى بن نصير اللخمي، الذي ولد في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في قرية “كفر متري” بالشام، وكان أبوه نصير من سبايا “عين التمر” الذين سباهم القائد خالد بن الوليد أثناء فتح العراق، وكان نصير ضمن مجموعة مكونة من أربعين غلاما يتعلمون الرهبنة في كنيسة “عين التمر” فسباهم خالد فأسلموا جميعا، ثم انتقل نصير وهو شاب صغير إلى الشام، حيث التحق بخدمة معاوية بن أبي سفيان، فجعله على حرسه، وصار أحد قوادة.

وارتفعت منزلته عند معاوية رضي الله عنه، ونشأ موسى بن نصير في بيت جندية وجهاد، فأبوه من قادة الفتح الإسلامي على الجبهة الشامية، فلا عجب أن يكون الفتى صنو أبيه، ويلمح فيه معاوية النجابة والذكاء والقدرة على القيادة، فيعهد معاوية له ببعض المهام الحساسة، فيغزو موسى البحر لفتح قبرص وبناء بعض الحصون هناك مثل حصن “المعاوض” و”بانس” وظل نائبا على قبرص فترة من الزمن، ويعدّ موسى بن نصير من أهم القادة العسكريين في عهد الخلافة الأموية، وهو أبو عبد الرحمن موسى بن نصير بن عبد الرحمن، واختلف في نسبه، فقيل أصله من اليمن، وقيل إن أباه من موالي بني لخم، وقيل أنه ينتسب إلى قبيلة بكر بن وائل، وقد أسر أبوه على يد القائد الفاتح خالد بن الوليد في معركة عين تمر، ويقال إن أباه كان على شرطة معاوية بن أبي سفيان.

عندما كان والي على الشام، وتوفي في طريقه إلى الحج سنة سبعة وتسعين من الهجرة بعد سلسلة من الانتصارات العظيمة التي حققها في إفريقيا، ثم في شبه جزيرة إيبيريا، وكانت منزلته مكينة عند معاوية بن أبي سفيان، وبلغ في الرتب أن كان رئيس الجيش في عهد معاوية حين كان والي على الشام في خلافة عمر وعثمان رضي الله عنهما، وفي روايات أخري أنه كان رئيس حرس معاوية بن أبي سفيان نفسه، وكذلك روى التاريخ لأم موسى بن نصير قصة بليغة في الشجاعة، فلقد شهدت هي أيضا معركة اليرموك مع زوجها وأبيه، وفي جولة من جولات اليرموك التي تقهقر فيها المسلمون أبصرت أم موسى بن نصير رجلا من كفار العجم يأسر رجلا من المسلمين، تقول فأخذت عمود الفسطاط، ثم دنوت منه فشدخت به رأسة.

وأقبلت أسلبه فأعانني الرجل على أخذه، وهكذا تربى موسى بن نصير على حب الجهاد، وترعرع بين أبناء القادة والملوك، فلم يُلهيه ذلك عن حمل هم الإسلام والدفاع عنه، وحينما تقرأ في سيرة هذا الفذ، تجد أن كبار الكتاب والمؤرخين تعجز أقلامهم، وتقف بلاغتهم حائرة في وصف هذه القامة الإسلامية الشامخة، فكيف بمن يتعلم منه كيف يكتب عنه، إنه موسى بن نصير، فمن درس أو قرأ تاريخ الأندلس عرف فضلة ومنزلتة، فهو الفاتح لها، وهو من ثبت دعائم الإسلام فيها، كما ثبته في بلاد المغرب بعد أن أعاد فتحها، فلولا فضل الله عز وجل، ثم هو، ما استقر فيها الفتح، وما كان لنا في الأندلس تلكم الحضارة، فقد تعلم من خطأ من سبقة، فكان منهجة في الفتوحات كمنهج القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه، وتولى وزارة مصر مع عبد العزيز بن مروان.

فكان نعم الوزير، فتعلم وازدادت خبرتة في أمور السياسة والحكم، وكانت له سمعة طيبة، جعلت الخليفة الوليد بن مروان يعينة وزيرا لأخية بشر على العراق ورئيس الديوان، وفي الحقيقة كان هو الأمير الفعلي، حتى تولى ولاية البصرة، ثم عيّنه صديقه عبد العزيز بن مروان سنة تسع وسبعين واليا على شمال إفريقية بدلا من حسان بن النعمان، وحينما وصل إلى مقر القيادة خطب في الجند فقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه “إنما أنا رجل كأحدكم، فمن رأى مني حسنة فليحمد الله، وليحضّ على مثلها، ومن رأى مني سيئة فلينكرها، فإني أخطئ كما تخطئون، وأصيب كما تصيبون” ولمّا وصل إلى مدينة القيروان، صلى بالجند صلاة شكر لله على النصر، ثم صعد المنبر وخطب قائلا “وأيم الله لا أريد هذه القلاع والجبال الممتنعة حتى يضع الله أرفعها، ويذل أمنعها، ويفتحها على المسلمين بعضها أو جميعها، أو يحكم الله لي وهو خير الحاكمين”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى