مقال

الدكرورى يكتب عن غزوة حنين “جزء 2”

الدكرورى يكتب عن غزوة حنين “جزء 2”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع عزوة حنين، فاجتمع المسلمون حوله مرة أخرى، وبدأ القتال، وهجم المسلمون على العدو حتى نصرهم الله تعالى، وفر عدوهم تاركا الغنائم، واختبأ جزء منهم في الطائف، وآخر في نخلة، وآخر في أوطاس وتحصنوا بها، فلحقهم المسلمون وقاتلوهم حتى نصرهم الله عليهم، وقد روى لنا العباس رضي الله عنه هذا الموقف العصيب، وصوره لنا أدق تصوير، فقال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء، فلما التقى المسلمون والكفار، ولى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قبل الكفار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أي عباس، نادي أصحاب السمُرة ”

 

أي أصحاب بيعة العقبة، فقال عباس بن عبد المطلب أين أصحاب السمرة ؟ قال فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها، أي أجابوا مسرعين فقالوا يا لبيك، يا لبيك، قال فاقتتلوا والكفار، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال ” حمي الوطيس ” قال ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات، فرمى بهن وجوه الكفار، ثم قال ” انهزموا ورب محمد ” قال فذهبت أنظر، فوالله ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا، وأمرهم مدبرا ” يعني قوتهم ضعيفة، وأمرهم في تراجع وهزيمة ” رواه مسلم، وقد فر مالك بن عوف ومن معه من رجالات قومه، والتجئوا إلى الطائف، وتحصنوا بها، وقد تركوا وراءهم مغانم كثيرة، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم فريقا من الصحابة.

 

حاصروهم، وقاتلوهم حتى حسموا الأمر معهم، لقد كان موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم وثباته في هذه المعركة مع قلة من الصحابة دليلا ناصعا، وبرهانا ساطعا على عمق إيمانه بالله عز وجل، وثقته بنصره وتأييده، وتحققه بأن نتيجة المعركة سوف تكون إلى جانب الحق، وإنك لتبصر صورة نادرة، وجرأة غير معهودة في مثل هذه المواقف، فقد تفرقت عنه صلى الله عليه وسلم الجموع، وولوا الأدبار، لا يلوي واحد منهم على أحد، ولم يبقي إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسط ساحات الوغى، حيث تحف به كمائن العدو من كل جانب، فثبت ثباتا عجيبا، امتد أثره إلى نفوس أولئك الفارّين، فعادت إليهم من ذلك المشهد رباطة الجأش، وقوة العزيمة، وكان الهدف الأساسي لغزوة حنين هو رد عدوان قبيلتي هوازن وثقيف اللتين تآمرتا على المسلمين.

 

ومنع وصول جيش المشركين إلى المسلمين في مكة، فخرج إليهم الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم، قبل أن يأتوا إلى مكة، وذلك لكسر شوكتهم ومنعهم من تدبير مخططهم في القضاء على الإسلام، وخصوصا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد طهّر مكة من الأصنام، فخشيت هذه القبائل على نفسها، لكن النبي صلي الله عليه وسلم، عقد العزم على أن يغلبهم، وكان هدفه في هذا زيادة ثقة المسلمين بأنفسهم، وهذا ما حصل فعلا، واستشهد في هذه الغزوة أربعة من المسلمين هم أيمن بن عبيد، ويزيد بن زمعة بن الأسود، وسراقة بن الحارث بن عدي، وأبو عامر الأشعري، وقتل فيها من عدوهم سبعين فردا، وغنم المسلمون من هذه الغزوة غنائم كثيرة، ولقد جعل الله للنبي صلى الله عليه وسلم، وللصحابة الكرام العظة والعبرة في قصص الأولين وفي سير الأولين.

 

وجعل الله عز وجل لنا أيضا هذه العبرة والعظة وكذلك العبرة والعظة من قصص النبي صلى الله عليه وسلم والأحداث التي لقاها مع قومه يوم أن كان يدعوه إلى الله عز وجل، ولقد كانت غزوة حنين هذه درسا عظيما في العقيدة الإسلامية، وممارسة عملية لفهم قانون الأسباب والمسببات، فإذا كانت وقعة بدر قد علمت الجماعة المسلمة أن القلة إذا كانت مؤمنة بالله حق الإيمان، وآخذة بأسباب النصر، لا تضر شيئا في جنب كثرة الأعداء، فإن غزوة حنين قد علمت تلك الجماعة درسا جديدا، حاصله أن الكثرة الكاثرة لا تغني شيئا، ولا تجدي نفعا في ساحات المعركة، إذا لم تكن قد تسلحت بسلاح العقيدة والإيمان، وإذا لم تكن قد أخذت بأسباب النصر وقوانينه، ولعل سبب الإخفاق قبلا في جيش المسلمين وجود جمع غير قليل من الطلقاء الذين لم تعركهم الأيام بالشدائد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى