مقال

الدكروري يكتب عن غزوة أحد “جزء 2”

الدكروري يكتب عن غزوة أحد “جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الثاني مع غزوة أحد، فما كان منه إلا أن قال لهم صلى الله عليه وسلم ” قد دعوتكم إلى هذا الحديث فأبيتم، ولا ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها، حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه، انظروا ما أمركم به فاتبعوه، امضوا على اسم الله تعالى، فلكم النصر ما صبرتم” ومضى النبي صلى الله عليه وسلم على عزمه الذي قضت به الشورى، وذلك حتى يكون للشورى أصحابها ومقامها، وحتى لا يعود هناك استخفاف بالرأي، ولا تهوين ولا تسفيه للقول، فالنبي المؤيد بالوحي جعل الأمر شورى بينه وبين أصحابه، فكيف بمن هو أدنى منه منزلة، وأقل منه علما، وأبعد عن التثبيت والإلهام والتوجيه والتسديد الذي كان يؤتاه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال الله عز وجل في قوله وفعله ” إن هو إلا وحي يوحي” فمن سواه وكل الناس أدنى منه منزلة.

 

أجدر بأن يلتزموا الشورى بينهم وبين قادتهم وعلمائهم، ومن تأكيدات الله سبحانه وتعالى لأمر الشورى أنه بعد أن ظهرت النتائج في غزوة أحد، وبعد أن ظهر ذلك الرأي ومع ما فيه من علة، وبعد أن ظهر أثر المخالفة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم جاءت الآيات التي نزلت في أعقاب غزوة أحد، لتؤكد مرة أخرى على الشورى، لكي لا تكون النتيجة السلبية أو التطبيق الخاطئ يقودان إلى إلغائها وعدم الاكتراث بها، فيقول الله قي سورة آل عمران ” فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل علي الله إن الله يحب المتوكلين” ومعنى اعف عنهم عما كان من إكراه لك في الرأي، واستغفر لهم عما كان منهم من معصية، ولا يمنعن ذلك أن تأخذ رأيهم وأن تلزم الشورى معهم.

 

وهكذا نجد أمر الشورى رغم الرؤيا، ونجد أمر الشورى رغم ما مال إليه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ونجد أمر الشورى باقيا رغم رجوع الذين رأوا الرأي الأول، ونجد أمر الشورى باقيا بعدما وقعت الواقعة وحلت بعض الهزيمة في أحد، ويجيء الأمر الإلهي بالشورى بعد المعركة في هذه الآيات تثبيتا للمبدأ في مواجهة نتائجه المريرة، وإن الإسلام لا يؤجل مزاولة المبدأ حتى تستعد الأمة لمزاولته، ولا يفرض على الأمة الوصاية السياسية من فرد أو حزب بحجة تربية الأمة وإعدادها لتحمل المسؤولية، وإن الأخطاء في مزاولة الشورى مهما بلغت من الجسامة لا تبرر إلغاء مبدأ ” وأمرهم شوري بينهم” وهكذا سارت المعركة في اتجاهها الطبيعي، وفي غمرة الاندحار الهائل شعر قادة الوثنية بعجز آلهتهم عن الصمود في وجه هذا الدم الجديد.

 

الذي دفعه الإسلام في شرايين جنوده، وأدركوا أنهم أمام القوة التي لا تقهر، ولا تثبت لها حمية الجاهلية، مهما تبلغ هذه الحمية من الاستخفاف بالموت، إنها القوة التي مزقت صلات العصبيات والمنافع الأرضية المقيتة لتقيم على أنقاضها وشائج أخرى من قرابة العقيدة وقوة التوحيد والإخلاص لله وحده لا شريك له، وبذلك أزالت سلطان الأسر الذي طالما يدمر القلوب ويضعف الجنود، وحواجز الأنساب، ليجعل من الأفراد المتنابذين المتباعدين أسرة واحدة في أخوة جديدة دونها كل روابط الأرض، وبدأت المعركة، واستعرت نيرانها، واستبسل المسلمون في القتال، وسجل التاريخ بطولات رائعة للصحابة رضوان الله عليهم، وانتصر المسلمون في البداية لما التزموا بأوامر النبي صلى الله عليه وسلم وانسحب المشركون منهزمين وتبعهم المسلمون يقتلون ويغنمون.

 

وهكذا كان قيل المعركة أنه تقدمت قريش وحثوا من حولهم على التطوع في دخول تلك المعركة، فانضم في صفوف القتال ما يقارب ثلاثة آلاف شخص بينهم نساء، وجمعوا الأموال والدروع والعير، استعدادا للهجوم على المسلمين، لكن عيون النبى صلى الله عليه وسلم الموجودة في الأنحاء بلغها خبر استعداد قريش للقتال، ووصل الخبر إلى النبى صلى الله عليه وسلم فاجتمع مع أصحابه مشاورا إياهم في الحال المستجد، فاستنفر المسلمون وبدأوا بجمع أسلحتهم ووضع المراقبة الحثيثة في مداخل المدينة استعدادا للأمر الطارئ، وأنه لم تهدأ ثائرة قريش بعد هزيمتهم المنكرة في غزوة بدر، وما خلفه ذلك من مقتل خيرة فرسانها، وجرح لكرامتها، وزعزعة لمكانتها بين القبائل، فأجمعت أمرها على الانتقام لقتلاها، وألهب مشاعرها الرغبة الجامحة في القضاء على الإسلام وتقويض دولته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى