مقال

الدكروري يكتب عن شهر شعبان وتحويل القبلة ” جزء 9″

الدكروري يكتب عن شهر شعبان وتحويل القبلة ” جزء 9″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء التاسع مع شهر شعبان وتحويل القبلة، وكان كذا وكذا وأثنوا عليه خيرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أنت بما تقول” فقال الرجل الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “وجبت” ثم شهد جنازة في بني حارثة، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم يا رسول الله، بئس المرء كان، إن كان لفظا غليظا، فأثنوا عليه شرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم “أنت بالذي تقول” فقال الرجل الله أعلم بالسرائر، فأما الذي بدا لنا منه فذاك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وجبت” قال مصعب بن ثابت فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قرأ ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” رواه الحاكم.

 

وعن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي، عن أبيه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم” قالوا بم يا رسول الله؟ قال “بالثناء الحسن والثناء السيئ، أنتم شهداء الله في الأرض” رواه احمد، وإننا نتعلم من الصحابة الكرام كمال التسليم والانقياد لأوامر الله، فالمسلم عبد لله تعالى، يسلم لأحكامه وينقاد لأوامره بكل حب ورضا، ويستجيب لذلك، ويسارع للامتثال بكل ما أوتي من قوة وجهد، فأصل الإسلام التسليم، وخلاصة الإيمان الانقياد، وأساس المحبة الطاعة، لذا كان عنوان صدق المسلم وقوة إيمانه هو فعل ما أمر الله والاستجابة لحكمه، والامتثال لأمره في جميع الأحوال، لا يوقفه عن الامتثال والطاعة معرفة الحكمة واقتناعه بها لأنه يعلم علم اليقين، أنه ما أمره الله تعالى بأمر ولا نهاه عن شيء، إلا كان في مصلحته سواء علم ذلك أو لم يعلمه.

 

كما قال تعالى في سورة الأحزاب ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا” فهذه هي الطاعة، وذلك هو التسليم الذي أقسم الله تعالى بنفسه على نفي الإيمان عمن لا يملكه في قوله تعالى كما جاء في سورة النساء ” فلا وربك لا يؤمنون حتي يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما” والصحابة رضي الله عنهم ضربوا أروع الأمثال في سرعة امتثالهم لأوامر الشرع، فلما أمروا بالتوجه إلى المسجد الحرام سارعوا وامتثلوا، بل إن بعضهم لما علم بتحويل القبلة وهم في صلاتهم، تحولوا وتوجهوا إلى القبلة الجديدة في نفس الصلاة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال، بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت.

 

فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلي الشام فاستدروا إلي الكعبة” رواه البخاري، وإن من مواقف الانقياد والتسليم عند الصحابة، هو إراقة الخمور بمجرد التحريم، وسرعة استجابة النساء في ارتداء الحجاب، ومن الصحابة الكرام نتعلم درسا في معنى الأخوة فقد أظهر تحويل القبلة حرص المؤمن على أخيه وحب الخير له، فحينما نزلت الآيات التي تأمر المؤمنين بتحويل القبلة إلى الكعبة، تساءل المؤمنون عن مصير عبادة إخوانهم الذين ماتوا وقد صلوا نحو بيت المقدس، فأخبر الله عز وجل أن صلاتهم مقبولة، وهكذا الأخوة الصادقة لا تنقطع بالموت، بل لا تنقطع في أحلك الظروف في عرصات القيامة.

 

لذلك قال الحسن البصري استكثروا من الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعة يوم القيامة، وقال ابن الجوزي رحمه الله بعد ذكره هذا الخبر “إن لم تجدوني في الجنة فاسألوا عني فقولوا يا ربنا عبدك فلان كان يذكرنا بك، ثم بكى رحمه الله” وكذلك فقد عظموا أخوة الدين على أخوة النسب، وهو قول مصعب بن عمير رضي الله عنه لأخيه المشرك يوم بدر “إن هذا الأنصاري هو أخي دونك” وكذلك الأخوة الصادقة تعني أن نفرح لفرح إخواننا ونحزن لحزنهم، فقيل دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقال يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما” رواه مسلم، وهكذا فإن قبلتنا تذكرنا دائما بوحدتنا حيث جمع الله به شتات المؤمنين، ووحدهم بعد تفرقهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى