مقال

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 5″

نفحات إيمانية ومع كلام المصطفي العدنان ” جزء 5″

بقلم / محمـــد الدكــــرورى

 

ونكمل الجزء الخامس مع كلام المصطفي العدنان، وكان منهم من أقدم على كتابتها وكتبها تلاميذهم بين أيديهم بل وأمروا بكتابتها، كما ثبت ذلك، مما روي عن الإمام علي بن أبى طالب، وعن ابن عباس، والحسن، وأنس، وغيرهم، رضى الله عنهم أجمعين، بل كان منهم من كتبها بعد أن كان كارها لذلك أول الأمر، لما قام عنده حينئذ من أسباب المنع، فلما رأى أنها قد زالت كتبها وأمر بكتابتها، ونرى ذلك فيما روي عن ابن مسعود، وأبي سعيد الخدرى رضى الله عنهم أجمعين، إذ كانوا يكرهون كتابتها، ثم كتبوا بعد ذلك، فقد روي أنهم كتبوا التشهد والاستخارة، وليس ذلك إلا من السنة، ثم هم جميعا مع هذا كانوا شديدي الحرص على العمل بها، لا يرون لأنفسهم مندوحة في إغفالها وتركها.

 

فكانوا إذا عرض لهم من الأمور ما ليس في كتاب الله حكمه رجعوا إلى السنة، فبحثوا فيها وسألوا عنها، لا يألون في ذلك، حتى إذا عجزوا أن يجدوا فيه سنة اجتهدوا واسترشدوا بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عملا بقوله تعالى ” فإن تنازعتم فى شيء فردوه إلى الله والرسول ” وإنا لنرى أن في كتب الخلفاء إلى أمرائهم وولاتهم فيما سئلوا عنه منهم مما أشكل عليهم حكمه مما لم يعلموا فيه سنة، وما كانت تحويه هذه الكتب من سنة في حكم ما سئلوا عنه، دليلا على عناية الخلفاء بنشر السنة وإبلاغها، وأن ذلك إنما كان منهم عند الحاجة حيث كان الظن بالأمراء والولاة أنهم من المختارين الذين هم على علم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

 

وطريق اجتهاده صلى الله عليه وسلم وأنهم قل أن يعرض عليهم ما يجهلون حكمه أو يجهله من معهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لم تكن هناك حاجة داعية إلى نشر السنة على الأمراء والولاة في قراطيس ترسل إليهم، لما كان عندهم من علم، وعلى ذلك كان من التجاوز في الرأي أيضا قول هؤلاء المنحرفين لو كانت السنة أصلا في الدين لعمل الخلفاء على نشرها، ولم يكن منهم شيء من ذلك، أما ما روي من عدم إقبال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على روايتها والتحديث بها عند الحاجة إلى ذلك لأنهم أحرص الناس على ألا يحق عليهم قول الله تعالى في كتابه ” إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس فى الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ”

 

وإنما كانوا زاهدين في ذلك عند عدم الحاجة إليه، خوفا من أن يحمله عنهم من لا يضبطه، فيزيد فيه أو ينقص، أو من يرويه بمعناه فيخطئ في فهمه، ويرويه على غير وجهه، وفي المرويات الكثيرة المتواترة المعنى ما يدل على مبلغ حرص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على العمل بالسنة وعدم مخالفتها، وأن ما كان من خلاف بينهم في أمر جاءت به، إنما كان مرده إلى الخلاف في الفهم دون جنوح من أحدهم إلى إرادة الخروج عليها وعدم العمل بها، وعلى الجملة فوجوب العمل بالسنة والعمل بها كان أمرا مجمعا عليه عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الأمصار والولايات، ولم يظهر خروج عن ذلك إلا بعد ظهور الفتن وظهور الفرق.

 

كالمعتزلة، والفلاسفة، والجهمية، وغيرهم، ممن لا وزن لخلافهم بعد هذا الإجماع الذي استمر نحو قرن من الزمان، وأما القول بأن السنة قد تأخر تدوينها إلى زمن أوهن الثقة بضبطها، فهو قول أملاه الهوى والغرض على صاحبه لأنه أغفل ما كان لعلماء السنة من جهود كبيرة شاقة في مكافحة التحريف والتغيير والوضع، مما أمن معه عند تدوينها في النصف الثاني من القرن الأول أن يكون فيما دون منها شيء من ذلك، وذلك بقدر ما وصلت إليه جهودهم، وبخاصة إذا لوحظ ما أتاحه الله لها من طرق حفظها، وصيانتها التي ظلت متصلة عبر تلك المدة التي سبقت تدوينها، حتى تم تدوينها على خير ما أدت إليه الرغبة الشديدة الملحة والقدرة الدائمة المتمكنة، مما لا يرتفع إليه شك ولا تصاحبه ريبه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى