مقال

الدكروري يكتب عن شهر شعبان وتحويل القبلة ” جزء 10″

الدكروري يكتب عن شهر شعبان وتحويل القبلة ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء العاشر مع شهر شعبان وتحويل القبلة، وهكذا فإن قبلتنا تذكرنا دائما بوحدتنا حيث جمع الله به شتات المؤمنين، ووحدهم بعد تفرقهم، امتثالا لقوله تعالى كما جاء في سورة آل عمران ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون” وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره إن هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج، وذلك أن رجلا من اليهود مر بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هُم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلا معه وأمره أن يجلس بينهم ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بُعاث وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض، وتثاوروا.

ونادوا بشعارهم وطلبوا أسلحتهم، وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجعل يُسكنهم ويقول صلى الله عليه وسلم ” أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم، واصطلحوا وتعانقوا، وألقوا السلاح، رضي الله عنهم اجمعين، ولقد جمع الله شتات المؤمنين من كل اتجاه، في أنحاء الأرض جميعا، قبلة واحدة تجمع هذه الأمة وتوحد بينها على اختلاف مواطنها، واختلاف مواقعها من هذه القبلة، واختلاف أجناسها وألسنتها وألوانها، قبلة واحدة، تتجه إليها الأمة الواحدة في مشارق الأرض ومغاربها، فتشعر أنها جسم واحد، وكيان واحد، تتجه إلى هدف واحد، وتسعى لتحقيق منهج واحد، منهج ينبثق من كونها جميعا تعبد إلها واحدا، وتؤمن برسول واحد، وتتجه إلى قبلة واحدة.

فالمسلمون يتعلمون من وحدة القبلة، وحدة الأمة في الهدف والغاية، وأن الوحدة والاتحاد ضرورة في كل شؤون حياتهم الدينية والدنيوية، فقال تعالى في سورة الأنبياء ” إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون” وإن قبلتنا تذكرنا أنه عندما تبتلى النفوس يتبين مَن يعبد الله ممن يعبد هواه، فعن سعيد بن جبير، قال لقيني راهب فقال يا سعيد، في الفتنة يتبين من يعبد الله ممن يعبد الطاغوت، وعندما تبتلى النفوس يظهر مَن يعبد الله على حرف ممن رسخت أقدامه في الإيمان، فقد قال تعالى في سورة الحج ” ومن الناس من يعبد الله علي حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب علي وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين” وعندما تبتلى النفوس يتبين مَن يعبد الله رجاء ما عند الله، ممن لا يريد إلا الدنيا، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال.

كان الرجل يقدم علي المدينة فإن ولدت امرأته علاما ونتجت خيله، قال هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله، قال هذا دين سوء” رواه البخاري، وإن قبلتنا تذكرنا بحقيقة الصراع وأن اليهود قوم بُهت، فقد قال الله تعالى في معرض حديث الآيات عن القبلة ” ولئن آتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك” ومن هنا ندرك أصالة عدوان هؤلاء للإسلام والمسلمين، فقد شنوا حربا إعلامية ضارية في أمر القبلة قبل وبعد التحويل، ولقد فتن ضعاف الإيمان بقولهم، فقالوا “يجحد ديننا ويتبع قبلتنا” وقولهم “اشتاق إلى بيت أبيه ودين قومه” وقول المشركين “يدعي ملة إبراهيم ويخالف قبلته” وقولهم “رجع إلى قبلتكم فيوشك أن يرجع إلى دينكم” وكان مما انطلق به أبواق أعداء الله قولهم “إن كان التوجه أولا إلى المسجد الأقصى باطلا.

فقد ضاعت صلاتكم إليه طوال هذه الفترة، وإن كان حقا فالتوجه الجديد إلى البيت الحرام باطل وضائعة صلاتكم إليه” وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال إن يهودا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم يا محمد، ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك، وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله تعالي ” سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها” وعن ابن عباس أيضا، قال ولما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة أتى رفاعة بن قيس، وكعب بن الأشرف، وابن أبي الحقيق، وهم زعماء اليهود، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما ولاك عن قبلتك التي كنت عليها وأنت تزعم أنك على ملة إبراهيم، عليه السلام، ودينه، ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتبعك ونصدقك، وإنما يريدون فتنته عن دينه، فأنزل الله تعالي هذه الآيات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى