مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 11″

الدكروري يكتب عن الإمام إبن مجاهد ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الحادي عشر مع الإمام إبن مجاهد، وانضاف إلى ذلك أن من قلت عنايته من المتأخرين اقتصر من طريق هذه القراءات السبع التي اختارها لاقتصار عليها مَن سبقه من المتأخرين على أربع عشرة رواية، فرأى حين اشتهروا عنده وعند أكثر الإقليم الذي هو فيه أن كل رواية جاءت عن هؤلاء السبعة سواها باطل، مع كون ذلك الذي عنده شاذ أشهر وأجل من الذي اعتمد عليه، فإن أحدا من العلماء بالرجال لا يشك أن إسماعيل بن جعفر أجل قدرا من ورش عثمان بن سعيد، ومن قالون عيسى بن مينا، وأن أبان بن يزيد العطار أوثق وأشهر من حفص بن سليمان البزاز، وكذلك كثير منهم، ولقد فعل مسبع هؤلاء السبعة ما لم يكن ينبغي أن يفعله، وأشكل على العامة حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله، وذلك أنه قد اشتهر عند الكافة قول النبي صلى الله عليه وسلم “أنزل القرآن على سبعة أحرف”

 

ثم عمد هذا المسبع إلى قوم قد اختار كل رجل منهم لنفسه قراءة من جملة القرءات التي رووها وكانوا لعمري أهلاً للاختيار لثقتهم وأمانتهم وعلمهم وفصاحتهم فأطلق عليهم التسمية بالقراءات، فأوهم بذلك كل من قلّ نظره، وضعفت عنايته أن هذه القراءات السبع هي التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم “أنزل القرآن على سبعة أحرف” وأكد وهمه ما يراه من اجتماع أهل الأمصار عليها، واطراحهم ما سواها، وذلك هناك موضع إشكال على الجهال، وليته إذ ذهب إلى الاقتصار على بعض قراء الأمصار، واجتهد في الاختيار جعلهم أقل من سبعة أو أكثر، فكان يزيل بذلك بعض الشبهة الداخلة على الأغمار، وقال ابن الجزري لقد صدق الجعبري رحمه الله فإن هذه الشبهة قد استحكمت عند كثير من العوام حتى لو سمع أحد قراءة لغير هؤلاء السبعة أو من غير هذين الراويين لسماها شاذةز

 

ولعلها تكون مثلها أو أقوى، إلا أنه عاد فاعتذر عن ابن مجاهد بقوله والحق أنه لا ينبغي هذا القول، وابن مجاهد اجتهد في جمعه فذكر ما وصله على قدر روايته، فإنه رحمه الله لم تكن له رحلة واسعة كغيره ممن كان في عصره، وقد كان أول من انتقد ابن مجاهد في هذا التسبيع تلميذه ابن أبي هاشم فقال في كتابه الكبير البيان “في سياق تضعيف قراءة ابن عامر” لولا أن أبا بكر شيخنا جعله سابعا لأئمة القراءة فاقتدينا بفعله لأنه لم يزل موفقا، فاتبعنا أثره واهتدينا بهديه لما كان إسناد قراءته مرضيا، ولكان أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش بذلك أولى منه، والحق أنه كان لهؤلاء السبعة مزية على غيرهم، ولم يكن ابن مجاهد أول من أعلن ذلك وأذاعه، فإننا نجد في كتب السابقين لأبي بكر بن مجاهد من المصنفين في القراءات كأبي عبيد وابن جرير رحمهما الله.

 

وهما من أوائل من صنف في جمع القراءات وذكرا في كتابيهما أكثر من عشرين قراءة، نجد أن هؤلاء السبعة من صميم اختيارهم، مع آخرين سواهم، فالسبعة محل اتفاق عند أغلب المصنفين في جمع القراءات، وإن وجد من أهملهم، لكنه قليل، وقال مكي بن أبي طالب قد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة وأجل قدرا من هؤلاء السبعة، على أنه قد ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة، واطرحهم، قد ترك أبو حاتم وغيره ذكر حمزة والكسائي وابن عامر، وزاد نحو عشرين من الأئمة فمن فوق هؤلاء السبعة، وكذلك زاد الطبري في كتاب القراءات له على هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلا، وكذلك فعل أبو عبيد وإسماعيل القاضي، وبين يديّ نص من كتاب القراءات للإمام الكبير أبي عبيد القاسم بن سلام رحمه الله تعالى.

 

يُبيّن فيه كيف كان الأمر قبل القراء السبعة وإلى زمانهم، ويبين فيه أيضا مدى انتشار قراءات هؤلاء السبعة دون غيرهم، بحيث يجزم الباحث أن ابن مجاهد لو لم يُسبّع هؤلاء السبعة لكانت الأمة سبعتهم، وانتهت إليهم، فإنهم قراؤها وإن انضاف إليهم من سواهم، وقال في فصل “تسمية من نقل عنهم شيء من وجوه القراءات من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أكابر أئمة المسلمين” هذه تسمية أهل القرآن من السلف على منازلهم وتسميتهم وآرائهم، فمما نبدأ بذكره في كتابنا هذا سيد المرسلين وإمام المتقين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أنزل عليه القرآن، ثم المهاجرون والأنصار وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، من حُفظ عنه منهم في القراءة شيء، وإن كان ذلك حرفا واحدا فما فوقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى