مقال

الدكرورى يكتب عن مفهوم الأم في الإسلام ” جزء 4″

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن مفهوم الأم في الإسلام ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الرابع مع مفهوم الأم في الإسلام، وهذا رجل من صحابة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يأتي إليه, يحدوه شوقه إلى جنات ونهر, وتتعالى همته لاسترضاء مليك مقتدر، فيمشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول “يا رسول الله ائذن لي بالجهاد؟ فقال له النبى صلى الله عليه وسلم “هل لك من أم؟” قال نعم، فقال “الزم قدمها فثم الجنة” وأنه تفتح أبواب السماوات، وتجاب الدعوات، لمن كان بارا بوالدته، محسنا إليها, وقد انطبقت الصخرة على ثلاثة نفر، فدعا كل منهم، وتوسل إلى الله تعالى بأرجى عمل عمله، ومنهم رجل كان بارا بوالديه، ففرج الله عنهم الصخرة ونجوا من الهلاك، وأخبر النبى صلى الله عليه وسلم عن أويس القرنى أنه كان مجاب الدعاء، وكان من أبر الناس بوالدته، فإن أمك لها عليك القدر العالي.

أحسنت إليك منذ كنت نطفة, في حملك ذاقت الألم والمر, وعانت الشدة والضر, فكم من أنّة خالجتها، وزفرة دافعتها, من ثقلك بين جنبيها, ولا يزداد جسمك نموا إلا وتزداد معه ضعفا، فكانت تسر إذا أحست بحركتك, ولا يزيدها تعاقب الأيام إلا شوقا لرؤيتك, فإذا حانت ساعة خروجك فلا تسل عما تعاني, حتى لربما عاينت الموت, فإذا رأتك وشمتك, نسيت آلامها وتناست أوجاعها، وعلقت فيك آمالها, فكنت أنت المخدوم في ليلها ونهارها، وكنت أنت رهين قلبها ونديم فكرها, تغذيك بصحتها وتدثرك بحنانها وتميط عنك الأذى بيمينها، تخاف عليك من اللمسة، وتشقق عليك من الهمسة، فكان سرورها أن ترى ابتسامتك، فإذا مسّك ضر لم تكتحل بنوم, وربما لم يرقأ لها دمع, تفديك بروحها وعافيتها، ولا تزيدها الأيام إلا لك حبا, وعليك حرصا، وفي سبيل تربيتك.

والعناية بك إلا جهدا، حتى إذا صلب عودك، وأزهر شبابك, كنت أنت عنوان فخرها, ورمز مباهاتها, تسر بسماع أخبارك، وتتحس برؤية آثارك، إذا غبت عن عينها رافقتك دعواتها, فكم من دعوات لك تلجلجت وأنت لا تدرى، فكان مُناها أن تسعد في سمائك, وغايتها أن توفق، فهى التى تعطيك كل شيء ولا تطلب منك أجرا, وتبذل لك كل وسعها ولا تنتظر منك شكرا، ولأجل كل هذا، فالبر بالأم مفخرة الرجال، وشيمة الشرفاء، وقبل ذلك كله هو خلق من خلق الأنبياء, فقال تعالى عن نبيه يحيى عليه السلام كما جاء فى سورة مريم ” وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا” وقال تعالى عن نبيه عيسى عليه السلام كما جاء فى سورة مريم ” وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جبارا شقيا” فإن البر بالأم يتأكد يوم يتأكد إذا تقضى شبابها, وعلا مشيبها, ورق عظمها، وأحدودب ظهرها.

وارتعشت أطرافها, وزارتها أسقامها، في هذه الحال من العمر لا تنتظر صاحبة المعروف، والجميل من ولدها، إلا قلبا رحيما، ولسانا رقيقا, ويدا حانية، فطوبى لمن أحسن إلى أمه في كبرها, طوبى لمن سعى في رضاها، فلم تخرج من الدنيا إلا وهي عنه راضية، فيا أيها البار بأمه وكلنا نطمع أن نكون كذلك تمثل قول الحق سبحانه وتعالى ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ” فتخلق بالذل بين يديها بقولك وفعلك، لا تدعها باسمها، بل نادها بلفظ الأم، فهو أحب إلى قلبها، لا تجلس قبلها، ولا تمشِ أمامها، قابلها بوجه طليق وابتسامة وبشاشة، تشرف بخدمتها، وتحسس حاجاتها، إن طلبت فبادر أمرها, وإن سقمت فقم عند رأسها، أبهج خاطرها بكثرة الدعاء لها، راع مشاعرها، ولا تفتأ أن تدخل السرور والأنس على قلبها, قدم لها الهدية، وزف إليها بالبشائر.

واستشعر وأنت تقبل وتعطف على أبنائك عطف أمك وحنانها بك, وردد في صبح ومساء كما علمنا الله تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا” فيا أيها البار بأمه إن كانت غاليتك ممن قضت نحبها، ومضت إلى ربها، فأكثر من الدعاء والاستغفار لها, وجدد برك بها بكثرة الصدقة عنها, وصلة أقاربك من جهتها, وصلاحك في نفسك من أعظم البر الذي تقدمه لوالديك بعد رحيلهما, فقد جاء رجل إلى النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل بقي من بر أبوى شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال صلى الله عليه وسلم نعم الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بها، وإكرام صديقهما” فاسمعوا إلى هذا الخبر العجيب الذي حدث لرجل صالح عابد انقطع للصلاة والتعبد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى