مقال

الدكروري يتكلم عن داء الكسل.

الدكروري يتكلم عن داء الكسل.
بقلم / محمـــد الدكـــروري

الكسل هو مرض خطير وقد استعاذ منه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وضده النشاط، وإن العجز يحتاج إلى مقاومة بالعزيمة والإرادة والاستعانة بالله سبحانه وتعالى والكسل في الشرع هو التغافل عن كل واجب فرضه الله تبارك وتعالى على الإنسان والكسل له علامات، وإن أعظم مصيبة أن يصاب الإنسان بهذا المرض وهو لا يدري، وكثير من الناس مصابون بهذا المرض وهم لا يعلمون والماء الراكد تتغير رائحته، وبعض الفقهاء إذا تغيرت رائحته يرون أنه لا يجوز الاستنجاء ولا الوضوء به، تصوروا الماء لا يكون طيبا إلا إذا جرى، والكسل سبب من أسباب موات الهمم، بل إنه مقبرة النبوغ، ولكم عُرف من أشخاص عندهم من الذكاء والفطنة الفهم ما ليس عندهم، لكنهم نحُوا أفكارهم وأبدانهم عن ممارسة الأعمال التي تعود عليهم بالخير.

فأصبحوا في عداد الموتى وهم وللأسف أحياء، وإن الكسل تجميد للطاقات الإنسانية، وإفساد للحياة الاجتماعية، وشلل للحركة الاقتصادية، ونهايته على مستوى الأفراد ومستوى الأمم للأسف الشديد فقر وفشل عام في الحياة، ولو بحثت عن أسباب الكسل في المسلمين خاصة ستجد أنه البعد عن شرع الله عز وجل، ولماذا ذلك؟ وهو لأن حياة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كلها نشاط، لا وجود للكسل فيها إطلاقا، والكسل أخطر أنواعه هو الكسل الروحي، وهذا يصيب طائفة كبيرة جدا من المسلمين شبابا ورجالا وشيبا وأطفالا، والتكاسل عن الأمور الشرعية، والتكاسل عن العبادات لاسيما العبادة اليومية الصلاة، والصلاة لها خصوصيات، فالحج في السنة مرة، والصوم الواجب هو صوم رمضان، والزكاة إذا حال الحول وبلغت الأموال النصاب.

أما الصلاة فكل يوم خمسين مرة خففها الله سبحانه وتعالى إلى خمس، فلا مجال لمقارنة الصلاة بغيرها، لذا فإن من أعظم ما يصاب به الإنسان من فوات الخير أن يكسل في أمور دينه، وإذا أردت أن تقيِّم أحدا فابدأ بالصلاة، فإذا تقدم إنسان ليتزوج، فإن أول ما تسأل عنه هو أنه هل يصلي أم لا يصلي؟ فإذا كان يصلي فهل يصلي في المسجد أم لا؟ وهذا سؤال كل الناس يسألونه، حتى إن بعض الآباء لا يصلون في المسجد، لكن إذا تقدم لإبنته رجل يصلي في المسجد اطمأن قلبه أكثر، وهو بنفسه لا يصلي في المسجد لأنه يعلم في قرارة نفسه أن الاتصال بالله ضمانة، فالإنسان لا يفوته أي خير من خيري الدنيا والآخرة إلا وتجد أن سببه إما العجز وإما الكسل، ولذا الشيطان حريص على هذا الأمر، حريص على أن يثبط ابن آدم وأن يثقله عن العبادة.

فالكسل مقبرة النبوغ، بل إنه طريق لاستباحة أموال الناس بغير حق، ولذا ما تراه من كثرة المتسولين في هذا العصر ليس إلا ناتجا من الكسل، وإلا لو أن أحد هؤلاء ذهب فتكسب فأنفق على نفسه وعلى أسرته لكف وجهه من الامتهان والابتذال، إذن فإن من أخطر الأنواع أن تتكاسل هذه الروح ويتبعها الجسد عن القيام بالعبادات الشرعية، ومن الناس من إذا قام إلى الصلاة يقوم بتكاسل، وهناك بعض الشباب يقوم مجاملة لوالديه، وبعض الناس مجاملة لزملائه في العمل، وبعض الناس يكون معه أحد فيقوم ليصلي، وهذا التثاقل وهذا التأخر في الأداء دليل على وجود هذا المرض الخطير، فبادر بعلاج هذا المرض، وإعلم أنك إن لقيت الله به ربما لا تنجو، ولكنك إذا كنت حريصا على العلاج فإن الله عز وجل سيعينك، وإذا أردت أن تختبر نفسك.

فانظر لحالك إذا جاء وقت الصلاة وأنت مشغول، وهو أن تكون مشغول ببيع أو شراء، أو عقد صفقة، أو شراء أسهم، أو بيع أسهم، وربما هذا الأمر يضرك في دينك ودنياك وأنت لا تدري، فيصرفه الله عنك لو كنت تصلي ولكنك جاهل، وأيضا من أنواع الكسل هو الكسل الفكري، وهو أن تجد إنسانا مؤهلا لأن يتعلم، مؤهلا لأن يعرف ويطلع، فيه ذكاء، فيه سرعة بديهة، يتمتع بمواهب لا حصر لها، وطاقات هائلة، لكنه يقبرها ولا يستفيد منها، يميل إلى الراحة وقلة الحركة، طاقات مدفونة، مواهب منسية، والسبب هو الكسل وضعف الهمة، وكم من الشباب من إذا رأيته تلمس فيه حدة الذكاء، وتلمس فيه مواهب، ثم إذا رأيت حاله رثيت لحاله، وتجده مع الأسف في طريق يسلكه لا ينجح فيه، والسبب هو ضعف الهمة والكسل وأيضا الكسل الجسدي.

وهو مرض يهدد العالم بأسره، لاسيما مع المدنية المعاصرة وآفاتها، فكم فات بعض الناس من المصالح الدنيوية والخيرات المتعددة بسبب الكسل، وبعض الناس ربما يموت من الجوع بسبب الكسل، والكسل هو سبب حرمان، كثيرون من الذين صاروا فقراء كان بإمكانهم ولا يزالون ألا يكونوا فقراء، لكنهم استمرؤوا الحال التي هم عليها، فصار الناس يعطونهم من الزكوات والصدقات وظلوا على حالهم، ولو أرادوا والله لاستطاعوا أن يكونوا أغنياء، لكن هذا المرض يخيم على رؤوسهم، وإن الكسل حرمان بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، حرمان من الأجر، حرمان من الثواب، حرمان من رضا الله عز وجل، حرمان من بر الوالدين، فبعض الناس يعرف بر والديه، ووالداه موجودان ولا يبرهما إلا بشيء يسير، السبب الكسل، ضعف الهمة.

يطلب منه والده ووالدته أشياء هو قادر عليها لكن يقعده الشيطان بالكسل، فيحرم نفسه هذا الحرمان العظيم، والكسل حرمان من العلم، فالعلم له لذة لاسيما علم الكتاب والسنة، وحرمان من المعرفة، وحرمان من الثقافة، وحرمان من المال، وحرمان من السعادة، بل أعظم من ذلك أن يحرم الكسول من الراحة التي تعقب العمل والراحة لا طعم لها إذا كان الإنسان لا يعمل، إنه كسول فمم يرتاح؟ مثل الذي يستيقظ من النوم ويقول أريد أن أرتاح من النوم بعد النوم قليلا، أنت نائم، فهل ترتاح بعد النوم؟ وأيضا الراحة لا طعم لها إلا إذا ذاق الإنسان طعم الجد وطعم النشاط وطعم النصر وطعم التعب، ثم تأتي الراحة فيكون لها طعم خاص ومذاق فريد، وكذلك الشقاء لابد منه للكسول ولو نفسيا، والكسول يظن أنه يفر من الشقاء وإنه واقع فيه.

ومن كانت حياته كلها خمولا وكسلا تساوت عنده الأيام، فلن يشعر بطعم الانتصار ولا السعادة ولا الفوز ولا النجاح، ويحكى أن رجلا متعبدا في قرية كان قدوة للجميع لمستوى تدينه، وكان كل أهل القرية يسألونه في أمور دينهم ويتخذونه نموذجا يحتذى في الإيمان بالله، وذات يوم حل طوفان بالقرية أغرقها بالماء، ولم يستطع أحد النجاة إلا من كان معه قارب، فمر بعض أهل القرية على بيت المتعبد لينقذوه فقال لهم “لا داعي، الله سينقذني، اذهبوا” ثم مر أناس آخرون وقال لهم نفس الكلام، ومرت آخر أسرة تحاول النجاة بنفس المتعبد وقالوا له ” اركب معنا نحن أخر من في القرية، فإن لم ترحل معنا ستغرق” فأجابهم “لا داعي، الله سينقذني اذهبوا”

وعندما انتهى الطوفان وتجمع أهل القرية وجدوا جثة المتعبد، فثار الجدل بين الناس، أين الله؟ لماذا لم ينقذ عبده؟ وقرر البعض الارتداد عن الدين، حتى جاء شاب متعلم واعي وقال “من قال لكم إن الله لم ينقذه؟ إن الله أنقذه ثلاث مرات عندما أرسل له ثلاث عائلات لمساعدته لكنه لم يرد أن ينجو” إن الله لا يساعدنا بطرق إعجازية، إنما هو يجعل لكل شيء سببا وعلى الإنسان الاجتهاد والأخذ بالأسباب كي ينال مساعدة الله”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى