مقال

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 8”

جربدة الاضواء

الدكروري يكتب عن الإمام إبن كثير “جزء 8”

بقلم / محمـــد الدكـــروري

 

ونكمل الجزء الثامن مع الإمام إبن كثير، وشهرته تعقب شهرة تفسير الطبري عند المتأخرين، وكان من تلاميذه هو الحافظ علاء الدين بن حجي الشافعي، ومحمد بن محمد بن خضر القرشي، وشرف الدين مسعود الأنطاكي النحوي، ومحمد بن محمد بن الجزري، شيخ علم القراءات، وابنه محمد بن إسماعيل بن كثير، وابن أبي العز الحنفي، والحافظ أبو المحاسن الحسيني، والحافظ زين الدين العراقي، والإمام الزيلعي، صاحب نصب الراية، وقد شهد شيخ الإسلام إبن كثير العديد من أحداث القرن الثامن الهجري، حيث كان الحكم في تلك الفترة لدولة المماليك، ومن الأحداث التي حصلت في القرن الثامن هو هجوم التتار على الدولة الإسلامية، وانتشار المجاعات وتواليها على الدولة الإسلامية، وانتشار الأوبئة والأمراض، وقد حصدت هذه الأحداث ملايين الناس.

 

كما حصلت في القرن نفسه عدة حروب، أبرزها حرب المسلمين مع الصليبيين، وانتشرت المؤامرات والفتن على الدولة بين الأمراء والوزراء، ومع كل ما اكتنفه هذا العصر من الحروب، والفتن، والأمراض، والأسقام، إلا أنه كان عصر النشاط العلمي المتمثل بانتشار المدارس، وازدهار التأليف، وكما كانت هناك قصة حدثت بين ابن القيم وابن كثير عندما قال ابن كثير لإبن القيم أنت تكرهني لأنني أشعري، فقال له لو كان من رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك إنك أشعري وشيخك ابن تيمية, كما أن ابن كثير تولى مشيخة دار الحديث الأشرفية، وشرط واقفها أن يكون أشعري العقيدة، وشيخ الإسلام ابن كثير قال عنه ابن الوزير في كتابه إيثار الحق علي الخلق ” وينبغي ههنا مطالعة كتب قصص الأنبياء ومن أجودها كتاب ابن كثير البداية والنهاية.

 

ويقول كذلك فالزنجاني والذهبي وابن كثير من أئمة الأثر وأئمة الشافعية وأهل السنة، وكان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والفقه والعربية وغير ذلك، وأفتى ودرس إلى ان توفى، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير، وهو القائل تمر بنا الأيام تترى، وإنما نساق الى الآجال، والعين تنظر، فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى ولا زائل هذا المشيب المكرر، ولقد حبا الله عز وجل ابن كثير رحمه الله بكثير من الصفات الحميدة، والشمائل الكريمة، والخلال العذبة، والتي لا يتصف بها إلا العلماء الأخيار الأفذاذ، ومن هذه الصفات هو الحفظ، حيث وهب الله عز وجل ابن كثير حافظة قوية، وذاكرة ممتازة، وموهبة متفوقة، فكان قادرا على حفظ العلوم، والمتون، واكتناز المعلومات، وظهر أثر ذلك في مصنفاته.

 

فقد حفظ ابن كثير القرآن الكريم وهو فى الحادية عشرة من عمره، وصرح بنفسه على ذلك، وحفظ التنبيه فى الفقه الشافعي، وعرضه سنة ثماني عشرة، وحفظ مختصر ابن الحاجب فى أصول الفقه، وحفظ المتون المتنوعة فى العلوم، ولذلك وصفه عدد من العلماء بحفظ المتون، فقال شيخه الذهبي ” ويحفظ جملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة ” وقال عنه تلميذه ابن حجي ” أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث ورجاله، وأعرفهم بجرحها وصحيحها وسقيمه، وكان أقرانه وشيوخه يعترفون له بذلك ” واقترنت صفة الحفظ عند ابن كثير بصفة أخري وهي صفة الاستحضار، مما يدل علي المنحة الإلهية له بقوة الذاكرة، وقلة النسيان، وهو من أعظم المواهب الإلهية، وأكبر ميزة للعالم والمصنف والفقيه، لذلك كان ابن كثير يستحضر المتون والكتب والعلوم.

 

حتى لفت نظر المحققين والمحدثين، فهو ينقل من مصادر عدة، ولكنه يضع المعلومات بصيغته وأسلوبه الخاص به، مما يرجح أنه كان يكتب ويصنف من ذاكرته وحافظته، ويتصرف بذلك حسب مقتضي الحال والمقام، وكذلك الفهم الجيد وهذه الصفة من المنح الإلهية للإنسان، ومن التوفيق الرباني له، وتتأثر بالعوامل المكتسبة عن طريق الإخلاص والتقصي والدراسة، والاستيعاب، والاجتهاد، وتحري الدقة العلمية، مما تساعد صاحبها مع فضل الله تعالي وتوفيقه إلي الفهم الجيد، والإدراك الصحيح، والاستنتاج المقبول، لذلك يقول عنه تلميذه ابن حجي ” وكان فقيها جيد الفهم، صحيح الذهن ” وكما كان خفيف الروح، وهذه الصفة من الصفات الحسنة للإنسان عامة، ومن عوامل التفوق والنجاح فى التدريس والوعظ خاصة، وتدل على سماحة النفس، والاهتمام بالطلاب، والتخفيف عنهم، والترويح في التدريس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى