مقال

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 3″

جريدة الاضواء

الدكرورى يكتب عن بر الأمهات ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثالث مع بر الأمهات، فتلك هي منتهى سعادتي ومرت الليالي والأيام، وأنا على تلك الحال خادمة لم تقصر، ومرضعة لم تتوقف، وعاملة لم تسكن، وداعية لك بالخير والتوفيق لا تفتر، أرقبك يوما بعد يوم حتى اشتد عودك، واستقام شبابك، وبدت عليك معالم الرجولة، فإذا بي أجري يمينا وشمالا لأبحث لك عن المرأة التي طلبت، وأتى موعد زواجك، واقترب زمن زفافك، فتقطع قلبي، وجرت مدامعي، فرحة بحياتك الجديدة، وحزنا على فراقك، ومرت الساعات ثقيلة، واللحظات بطيئة، فإذا بك لست إبني الذي أعرفك، اختفت ابتسامتك، وغاب صوتك، وعبس محياك، ولقد أنكرتني وتناسيت حقي، وتمر الأيام أراقب طلعتك، وأنتظر بلهف سماع صوتك، لكن الهجر طال والأيام تباعدت، أطلت النظر إلى الباب فلم تأتى، وأرهفت السمع لرنين الهاتف.

حتى ظننت بنفسي الوسواس، وهاهي الليالي قد أظلمت، والأيام تطاولت، فلا أراك ولا أسمع صوتك، وتجاهلت من قامت بك خير قيام، يا بني لا أطلب إلا أقل القليل، اجعلني في منزلة أطرف أصدقائك عندك، وأبعدهم حظوة لديك، واجعلني يا بني إحدى محطات حياتك الشهرية لأراك فيها ولو لدقائق، يا بني احدودب ظهرى، وارتعشت أطرافي، وأنهكتني الأمراض، وزارتني الأسقام، فلا أقوم إلا بصعوبة، ولا أجلس إلا بمشقة، ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك، لو أكرمك شخص يوما لأثنيت على حسن صنيعه، وجميل إحسانه، وأمك أحسنت إليك إحسانا لا تراه ومعروفا لا تجازيه، لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات، فأين الجزاء والوفاء؟ ألهذا الحد بلغت بك القسوة وأخذتك الأيام؟ يا بنى كلما علمت أنك سعيد في حياتك زاد فرحي وسرورى.

وأتعجب وأنت صنيع يدى، فأى ذنب جنيته حتى أصبحت عدوة لك لا تطيق رؤيتي، وتتثاقل في زيارتي؟ فهل أخطأت يوما في معاملتك، أو قصرت لحظة في خدمتك؟ فاجعلني من سائر خدمك الذين تعطيهم أجورهم، وامنحني جزءا من رحمتك، ومنّ عليّ ببعض أجري، وأحسن فإن الله يحب المحسنين، يا بني أتمنى رؤيتك، لا أريد سوى ذلك، دعني أرى عبوس وجهك وتقاطيع غضبك، يا بني تفطر قلبي، وسالت مدامعي، وأنت حي ترزق، ولا يزال الناس يتحدثون على حسن خلقك وجودك وكرمك، يا بني أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة أضناها الشوق، وألجمها الحزن، جعلت الكمد شعارها، والغم دثارها، وأجريت لها دمعا، وأحزنت قلبا، وقطعت رحما، يا بني هاهو باب الجنة دونك فاسلكه، وأطرق بابه بابتسامة عذبة، وصفح جميل، ولقاء حسن.

لعلي ألقاك هناك برحمة ربي كما في الحديث ” الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب، أو احفظه ” رواه أحمد، يا بنى أعرفك منذ شب عودك، واستقام شبابك، تبحث عن الأجر والمثوبة، لكنك اليوم نسيت حديث النبي صلى الله عليه وسلم” إن أحب الأعمال إلى الله الصلاة في وقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله” رواه البخارى ومسلم، هاك هذا الأجر دون قطع الرقاب وضرب الأعناق، فأين أنت من أحب الأعمال؟ يا بني إنني أعيذك أن تكون ممن عناهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله” رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل من يا رسول الله؟ قال من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة” رواه مسلم، يا بنى لن أرفع الشكوى، ولن أبث الحزن، لأنهما إن ارتفعت فوق الغمام، واعتلت إلى باب السماء أصابك شؤم العقوق.

ونزلت بك العقوبة، وحلت بدارك المصيبة، لا، ولن أفعل لا تزال يا بني فلذة كبدي، وريحانة فؤادي وبهجة دنياي، أفق يا بني فقد بدأ الشيب يعلو مفرقك، وتمر السنوات ثم تصبح أبا شيخا، والجزاء من جنس العمل، وستكتب رسائل لابنك بالدموع مثلما كتبتها إليك، وعند الله تجتمع الخصوم، يا بني أتقى الله في أمك، والزمها فإن الجنة عند رجليها، كفكف دمعها، وواس حزنها، وإن شئت بعد ذلك فمزق رسالتها، واعلم أن من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، وهذا نبى الله عيسى بن مريم عليه السلام عندما تكلم في المهد كان من قوله تعالى ” وبرا بوالدتى” أى وأمرنى ربي ببر والدتي والإحسان إليها، وعن السيدة عائشه رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نمت فرأيتنى فى الجنة فسمعت صوت قارئ يقرأ فقلت من هذا قالوا هذا حارثه بن النعمان” فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كذاك البر كذاك البر ” وكان أبر الناس بأمه، رواه أحمد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى