مقال

الدكرورى يكتب عن ضياع الوقت أشد من الموت ” جزء 1″

جريدة الأضواء

الدكرورى يكتب عن ضياع الوقت أشد من الموت ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
إن تقارب الوقت والزمن وسرعة مروره دون فائدة هو علامة على قرب الساعة ، وإن الإنسان الذي يريد أن يستثمر وقته خلال حياته لابد أن يهتم بأن يضع لنفسه خطة يسير عليها خلال هذا العمر الثمين، وكلما كان الإنسان أكثر عقلا وأعظم ادراكا، استطاع فعلا أن يستثمر هذا الوقت الذي بين يديه، وأحيانا يضيع الوقت ومع ذلك يفوت عليك دون أن تكون فيه فائدة، ويجب أن نعلم أن أهل النار يوم القيامة يُسألون فيقال لهم كم لبثتم في الأرض عدد سنين؟ سيسألون عن أعمارهم التي قضوها في الدنيا هل استثمروها فيما يقربهم إلى ربهم ؟ ولنعلم جميعا أن الوقت هو رأس مال المرء فهو حياته، فحياة الواحد منا ما هي إلا أيام وأسابيع وشهور وسنون، والمرء في هذه الحياة في تجارة مع ربه، ثم بعد الموت يظهر الرابح من الخاسر والكل يندم، فالمحسن يود أن لوِ ازداد في عمله.

والمفرط يندم على تفريطه ويتمنى الرجعة للدنيا مرة ثانية ليستدرك ما فات، وقد جاء في الأثر أنه “ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني، فإني لا أعود إلى يوم القيامة” وكان الحسن البصري رحمه الله يقول “يا ابن آدم إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك” وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ” ما ندمت على شيء، ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي” وقد اهتم الإسلام بالوقت وبيّن أهميته، وذلك من خلال آيات من القرآن وأحاديث من السنة، كما جاءت كثير من العبادات لتنظيم وقت المسلم، والخاسر في وقته إنما هو مغبون، كالذي يبيع سلعته بأقل مما تستحق، أو يشتريها بأكثر مما تستحق وليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها.

إذ ليس في الوجود أغلى من الوقت، وجاءت السنة لتؤكد على أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما انفقه؟ وعن علمه ماذا عمل فيه” رواه الترمذي، وأخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن الوقت نعمة من نعم الله على خلقه ولابد للعبد من شكر النعمة وإلا سُلبت وذهبت، وشكر نعمة الوقت يكون باستعمالها في الطاعات، واستثمارها في الباقيات الصالحات، فعن بن عباس رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ” رواه البخاري.

ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم ” كثسر من الناس ” أي الذي يوفق لذلك قليل فقد يكون الإنسان صحيحا، ولا يكون متفرغا لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيا، ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا الصحة والفراغ فغلب على الإنسان الكسل عن الطاعة فهو المغبون، والغبن أن تشتري بأضعاف الثمن، وأن تبيع بأقَل من ثمن المثل، والشخص الذي فعلا يريد أن يكون شيئا مذكورا لابد أن يتعب على نفسه حتى يستطيع أن يسجل في هذه الأمة ما سجله الأولون، سواء من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام أو من تبعهم بإحسان، وإن الإنسان إذا عرف قيمة شيء ما وأهميته حرص عليه وعز عليه ضياعه وفواته، وهذا شيء بديهي، فالمسلم إذا أدرك قيمة وقته وأهميته، كان أكثر حرصا على حفظه واغتنامه فيما يقربه من ربه سبحانه وتعالي.

وها هو الإمام ابن القيم رحمه الله يبين هذه الحقيقة بقوله ” وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب، فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته” وابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه وهو أعمى لما رأى الناس يخرجون إلى القتال قال إني خارج معكم، فقالوا سبحان الله إن الله يقول ليس على الأعمى حرج، قال وإن كان، أخرجوني معكم وأعطوني الراية، قالوا نعطيك الراية وأنت رجل أعمى؟ قال نعم إنما الراية تمسك ليجتمع إليها المقاتلون، فأنا امسك الراية، يمسك الراية ما يقاتل، يمسك الراية فقط، فأخرجوه معهم وهو أعمى، لكنه استثمر قدرة عنده من شجاعة وقوة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى