مقال

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 5″

جريدة الأضواء

الدكروري يكتب عن الدولة العباسية وثورة الزنج ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــروري

ونكمل الجزء الخامس مع الدولة العباسية وثورة الزنج، وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسيه وغير إنسانية للغاية تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة عديمي الرحمة ولحساب ملاك الأرض من اشراف العرب ودهاقنة الفرس الوافدين إلى العراق، أما العبيد فكانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء زنوجا واحباشا ونوبيين وقرماطيون إضافة إلى فقراء العرب العراقيين والذي كان يطلق عليهم في ذلك الوقت تسمية الفراتيين، وشرع علي ابن محمد الفارسي الجديد يدرس أحوال هؤلاء البائسين من فقراء وعبيد ويسعى لضمهم لثورته كي يحررهم ويحارب بهم الطبقة الأرستقراطية التي تضطهدهم بمعونة الدولة العباسية وعلى رأسها الخليفة الحاكم باسم الدين في العاصمة سامراء آنذاك فكان أول زنجي ينظم إليه هو ريحان ابن صالح الذي أصبح من قادة الحرب علي ابن محمد يتنقل مع قادته بين مواقع عمل الرقيق والفراتيين فقراء العرك أماكنهم.

وترك الخضوع لسادتهم والانضمام إلى معسكر البصرة للخلاص من واقعهم البائس واعدا اياهم بحياة أفضل فيما لو انتهت إليه أزمة الأمور فاستجابت لدعوته مجاميع غفيرة منهم، ولقد فشل وكلاء الملاك في الحيلولة بين الرقيق المضطهد وعلي ابن محمد العلوي فكان الاسياد يحبسون رقيقهم في بيوت ويسدون عليهم الأبواب والنوافذ بالطين، ولكن بالرغم من كل هذا كان العبيد يتقاطرون على المعسكر العلوي بشكل مستمر، ويصف ابنُ خلدون إقبال الزنج على الثورة وزحفهم للقاء قائدها فيقول لقد تسايل إليه الزنج واتبعوه، وأعلن الثائر العلوي علي ابن محمد أن هدفه بالنسبة للزنج والفراتيين فقراء العراق هو تحرير الرقيق من العبودية وتحويلهم إلى سادة لأنفسهم وإعطائهم حق امتلاك الضياع والاموال بل ومناهم بامتلاك سادتهم سادة الأمس الذين كانوا يسترقونهم وجعلهم عبيدا عندهم ووعدهم أيضا بضمان مساواتهم في ثورته ودولته.

التي تعمل من أجل ضمان اجتماعي هو أقرب إلى النظم الجماعية التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع المجتمع، وهو نظام سياسي يرفض الخلافة الوراثية لبني العباس والتي أصبحت اسيرة بيد قادة الجند الاتراك، ويقدم بدلا منها دولة الثورة التي أصبح فيها الثائر العلوي علي ابن محمد أميرا للمؤمنين، استطاعت الثورة ان تكتسب أكثر فأكثر ثقة جماهير الزنج والفراتيين فقراء العراق الذين بدورهم كانوا اشبه ما يكونون بالرقيق وبالذات في ظروف العمل وشروطه، وخاصة بعدما رفض قائدُ الثورة مطالب الاشراف والدهاقين والوكلاء بأن يرد عليهم عبيدهم لقاء خمسة دنانير عن كل رأس، لقد رفض الثائر العلوي علي ابن محمد هذا العرض، بل وعاقب هؤلاء السادة الذين قدموا العرض، فطلب من كل جماعة من الزنج ان يجلدوا سادتهم ووكلائهم القدامى، وزاد من اطمئنان الزنج إلى الثورة ما أعلنه قائدها بأنه لم يثور الا لرفع المظلومية عنهم.

وعاهدهم على أن يكون في الحرب بينهم بقوله أشرككم فيها بيدي وأخاطر معكم فيها بنفسي، بل قال لهم ليُحط بي جماعة منكم فإن احسوا مني غدرا فتكوا بي، وبهذه الثقة تكاثر الزنج في صفوف الثورة وفي كتائب جيشها بل وانضمت إليها الوحدات الزنجية من جيش الدولة العباسية في كل موطن من المواطن التي التقى فيها الجيشان، حتى سميت لذلك بثورة الزنج، واشتهرت بهذا الاسم في مصادر التاريخ، وفي عشرات المعارك التي وقعت بين جيوش الزنج وجيوش الدولة العباسية كان النصر غالبا للزنج فيها، وتأسست كثمرة لهذه الانتصارات دولة للثورة أقامت فيها سلطتها وطبقت فيها أهدافها، ونفذ فيها سلطان الثائر العلوي علي ابن محمد، ولقد بلغت دولة ُالثورة هذه درجة من القوة فاقت بها كل ما عرفته الخلافة العباسية قبلها من أخطار وثورات، والمؤرخون الذين كانت عندهم أن الدنيا كانت هي الإمبراطورية العباسية.

قالوا ان الزنج قد اقتسموا الدنيا مع بني العباس واجتمع إليه من الناس ما لا ينتهي العدُ والحصر إليه وكان عمال الدولة الثائرة يجمعون لعلي ابن محمد الخراج على عادة السلطان حتى لقد خيف على ملك بني العباس ان يذهب وينقرض، وأقام الثوار لدولتهم عاصمة سموها المختارة أنشأوها إنشاء في منطقة تتخللها فروعُ الأنهار كما أنشؤوا عدة مدن أخرى وضمت دولتهم مدنا وقرى ومناطق كثيره ضمت البحرين والبصرة والأبله والاهواز وواسط والقادسية وجنبلاء والنعمانية والمنصورة ورام هرمز والمنيعة والمذار وتستر وخوزستان وعبادان وأغلبَ سواد العراق، والقت الخلافة العباسية بكل ثقلها في المعركة ضد الثورة، وكرست كل إمكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفة المعتمد العباسي بالقيادة الميدانية إلى أخيه الموفق، تحول قائد الجيش إلى خليفة حقيقي وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار والتي سماها الموفقيه إلى العاصمة الحقيقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى